وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا عَلَى الْغُرَمَاءِ الْيَمِينُ، فَهُوَ عَلَى جَمِيعِهِمْ، فَإِنْ حَلَفُوا أَخَذُوا، وَإِنْ نَكَّلُوا قُضِيَ لِلْمُدَّعِي بِمَا ادَّعَاهُ، إلَّا أَنْ نَقُولَ بِرَدِّ الْيَمِينِ، فَتُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي، فَيَحْلِفَ وَيَسْتَحِقُّ، وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، أَخَذَ الْحَالِفُ نَصِيبَهُ، وَحُكْمُ النَّاكِلِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ أَقَرَّ الْمُفْلِسُ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَأَنْكَرَ الْغُرَمَاءُ]
(٣٤٣٠) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ الْمُفْلِسُ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ مُنْذُ شَهْرٍ، وَكَانَ الْعَبْدُ قَدْ اكْتَسَبَ بَعْدَ ذَلِكَ مَالًا، وَأَنْكَرَ الْغُرَمَاءُ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ. حَلَفُوا، وَاسْتَحَقُّوا الْعَبْدَ وَكَسْبَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ. لَمْ يُقْبَلْ فِي كَسْبِهِ، وَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْكَسْبِ، وَيَأْخُذُونَ كَسْبَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا قُبِلَ فِي الْعِتْقِ دُونَ غَيْرِهِ لِصِحَّتِهِ مِنْهُ، وَلِبِنَائِهِ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، فَلَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ، لِعَدَمِ ذَلِكَ فِيهِ، وَلِأَنَّنَا نَزَّلْنَا إقْرَارَهُ مَنْزِلَةَ إعْتَاقِهِ فِي الْحَالِ، فَلَا تَثْبُتُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ فِيمَا مَضَى، فَيَكُونُ كَسْبُهُ مَحْكُومًا بِهِ لِسَيِّدِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعِتْقِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ.
[فَصْلٌ كَانَ الْمَبِيعُ أَرْضًا فَبَنَاهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَفْلَسَ فَأَرَادَ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ]
(٣٤٣١) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَرْضًا فَبَنَاهَا الْمُشْتَرِي، أَوْ غَرَسَهَا، ثُمَّ أَفْلَسَ، فَأَرَادَ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ فِي الْأَرْضِ، نَظَرْت؛ فَإِنْ اتَّفَقَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى قَلْعِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، فَلَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، فَإِذَا قَلَعُوهُ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ
قَالَ أَصْحَابُنَا، وَيَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ قَبْلَ الْقَلْعِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّهُ حَتَّى يُوجَدَ الْقَلْعُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَلْعِ لَمْ يُدْرِكْ مَتَاعَهُ إلَّا مَشْغُولًا بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ مَسَامِيرَ فِي بَابِ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ قُلْنَا: لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْقَلْعِ. فَقَلَعُوهُ، لَزِمَهُمْ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ مِنْ الْحَفْرِ، وَأَرْشُ نَقْصِ الْأَرْضِ الْحَاصِلِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ حَصَلَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِ الْمُفْلِسِ، فَكَانَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ دَخَلَ فَصِيلُهُ دَارَ إنْسَانٍ وَكَبِرَ، فَأَرَادَ صَاحِبُهُ إخْرَاجَهُ، فَلَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِهَدْمِ بَابِهَا، فَإِنَّ الْبَابَ يُهْدَمُ لِيَخْرُجَ، وَيَضْمَنُ صَاحِبُهُ مَا نَقَصَ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ الْبَائِعُ عَيْنَ مَالِهِ نَاقِصَةً. فَرَجَعَ فِيهَا، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي النَّقْصِ لِأَنَّ النَّقْصَ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ، وَهُنَا حَدَثَ بَعْدَ رُجُوعِهِ فِي الْعَيْنِ، فَلِهَذَا ضَمِنُوهُ، وَيَضْرِبُ بِالنَّقْصِ مَعَ الْغُرَمَاءِ
وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْقَلْعِ. لَمْ يَلْزَمْهُمْ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ، وَلَا أَرْشُ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْمُفْلِسِ قَبْلَ رُجُوعِ الْبَائِعِ فِيهَا، فَلَمْ يَضْمَنُوا النَّقْصَ، كَمَا لَوْ قَلَعَهُ الْمُفْلِسُ قَبْلَ فَلَسِهِ، فَأَمَّا إنْ امْتَنَعَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ مِنْ الْقَلْعِ، فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَلَا يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَرْسٌ بِحَقٍّ. وَمَفْهُومُ قَوْله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا فَلَهُ حَقٌّ
فَإِنْ بَذَلَ الْبَائِعُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، لِيَكُونَ لَهُ الْكُلُّ. أَوْ قَالَ: أَنَا أَقْلَعُ، وَأَضْمَنُ مَا نَقَصَ فَإِنْ قُلْنَا: لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْقَلْعِ. فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَلْعُهُ وَضَمَانُ نَقْصِهِ، كَالشَّفِيعِ إذَا أَخَذَ الْأَرْضَ وَفِيهَا غِرَاسٌ وَبِنَاءٌ لِلْمُشْتَرِي، وَالْمُعِيرِ إذَا رَجَعَ فِي أَرْضِهِ بَعْدَ غَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ
وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute