وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا خَتَمَهُ بِخَتْمِهِ وَعِنْوَانِهِ، جَازَ أَنْ يَتَحَمَّلَا الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ مُدْرَجًا، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ شَهِدَا عِنْدَهُ أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ هَذَا؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمَا فِي الْكِتَابِ، فَجَازَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا تَفْصِيلَهُ، كَمَا لَوْ شَهِدَا لِرَجُلٍ بِمَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، جَازَتْ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا قَدْرَهَا.
وَلَنَا، أَنَّهُمَا شَهِدَا بِمَجْهُولٍ لَا يَعْلَمَانِهِ، فَلَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُمَا، كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مَالًا. وَفَارَقَ مَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّ تَعْيِينَهُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي فِي الْكِيسِ أَغْنَى عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهَا، وَهَا هُنَا الشَّهَادَةُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ دُونَ الْكِتَابِ، وَهُمَا لَا يَعْرِفَانِهِ. الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ يَكْتُبَهُ الْقَاضِي مِنْ مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ وَحُكْمِهِ فَإِنْ كَتَبَهُ مِنْ غَيْرِ وِلَايَتِهِ، لَمْ يَسُغْ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ لَهُ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ حُكْمٌ، فَهُوَ فِيهِ كَالْعَامِّيِّ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أَنْ يَصِلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ، فَإِنْ وَصَلَهُ فِي غَيْرِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبُولُهُ حَتَّى يَصِيرَ إلَى مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ. وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْهِ خَصْمَانِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ، إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِهِ، فَيَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ غَيْرِ الْقَاضِي إذَا تَرَاضَيَا بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَصْمَانِ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَوْ لَمْ يَكُونَا.
وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْهِ خَصْمَانِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ، مِنْ غَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ، كَانَ لَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَوْضِعِهِمَا، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ لِقَاضٍ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُ كَانُوا، وَيَمْنَعَهُ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ غَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُمَا كَانَ، فَيَكُونَ الْأَمْرُ عَلَى مَا أَذِنَ فِيهِ وَمَنَعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِتَوْلِيَتِهِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهَا.
[فَصْلٌ فِي تَغْيِيرِ حَالِ الْقَاضِي]
(٨٢٨٤) فَصْلٌ: فِي تَغْيِيرِ حَالِ الْقَاضِي: وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُ الْكَاتِبِ أَوْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، أَوْ حَالُهُمَا مَعًا، فَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْكَاتِبِ، بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ، بَعْدَ أَنْ كَتَبَ الْكِتَابَ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ، لَمْ يَقْدَحْ فِي كِتَابِهِ، وَكَانَ عَلَى مَنْ وَصَلَهُ الْكِتَابُ قَبُولُهُ، وَالْعَمَلُ بِهِ، سَوَاءٌ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْكِتَابِ مِنْ يَدِهِ، أَوْ بَعْدَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الْحَالَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ يَدِهِ، لَمْ يُعْمَلْ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ يَدِهِ، عُمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْحَاكِمِ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، لِأَنَّهُ يَنْقُلُ شَهَادَةَ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ، صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ قَبْلَ أَدَاءِ شَهَادَتِهِمَا.
وَلَنَا، أَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي الْكِتَابِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْحَاكِمِ وَهُمَا حَيَّانِ، فَيَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ كِتَابُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ، وَلِأَنَّ كِتَابَهُ إنْ كَانَ فِيمَا حَكَمَ بِهِ، فَحُكْمُهُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَعَزْلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا ثَبَتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute