للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِتَابَةِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ يَفِي بِهَا فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَيَبْدَأَ بِمَا شَاءَ مِنْهَا كَالْحُرِّ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا مَا فِي يَدِهِ وَكُلُّهَا حَالَّةٌ وَلَمْ يَحْجُرْ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فَخَصَّ بَعْضَهُمْ بِالْقَضَاءِ، صَحَّ كَالْحُرِّ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُؤَجَّلٌ فَعَجَّلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَهُ تَبَرُّعٌ فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَالْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ جَازَ كَالْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْجِيلُ لِلسَّيِّدِ فَقَبُولُهُ بِمَنْزِلَةِ إذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ بِسُؤَالِ غُرَمَائِهِ فَالنَّظَرُ إلَى الْحَاكِمِ وَإِنَّمَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ بِسُؤَالِهِمْ، فَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ سُؤَالِهِمْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَلَا يَسْتَوْفِي بِغَيْرِ إذْنِهِمْ.

وَإِنْ سَأَلَهُ سَيِّدُهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْهُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ، فَإِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ فَقَالَ الْقَاضِي: عِنْدِي أَنَّهُ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَعِوَضِ الْقَرْضِ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا وَيُقَدِّمُهُمَا عَلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مَحَلُّ الرَّقَبَةِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِمَّا فِي يَدِهِ اُسْتُوْفِيَ مِنْ رَقَبَتِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ عَلَى تَقْدِيمِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ عَلَى مَا مَضَى بَيَانُهُ.

[فَصْلٌ جَنَى بَعْضُ عَبِيدِ الْمُكَاتَبِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ.]

(٨٧٧٩) فَصْلٌ: وَإِذَا جَنَى بَعْضُ عَبِيدِ الْمُكَاتَبِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْمَالِ؛ فَإِنْ اخْتَارَ الْمَالَ أَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ إتْلَافَ مَالٍ تَعَلَّقَ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ وَلِلْمُكَاتَبِ فِدَاؤُهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِدَاؤُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ سَيِّدُهُ فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَسْلِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ زَادَ الْأَرْشُ عَلَى قِيمَتِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ أَوْ يَفْدِيهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

[فَصْلٌ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ بَعْضَ ذَوِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ فَجَنَى جِنَايَةً تَعَلَّقَ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ.]

(٨٧٨٠) فَصْلٌ: فَإِنْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ ابْنَهُ أَوْ بَعْضَ ذَوِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ، أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَتِهِ فَجَنَى جِنَايَةً تَعَلَّقَ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ فَلِلْمُكَاتَبِ فِدَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا يَفْدِي غَيْرَهُ مِنْ عَبِيدِهِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ ": لَيْسَ لَهُ فِدَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِمَالِهِ، فَإِنَّ ذَوِي رَحِمِهِ لَيْسُوا بِمَالٍ لَهُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ إخْرَاجُ مَالِهِ فِي مُقَابَلَتِهِمْ، وَلِأَنَّ شِرَاءَهُمْ كَالتَّبَرُّعِ وَيُفَارِقُ الْعَبْدُ الْأَجْنَبِيَّ؛ فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَهُ صَرْفُهُ فِي كِتَابَتِهِ فَكَانَ لَهُ فِدَاؤُهُ وَشِرَاؤُهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، لَكِنْ إنْ كَانَ لِهَذَا الْجَانِي كَسْبٌ فُدِيَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ إنْ اسْتَغْرَقَتْ قِيمَتَهُ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَغْرِقْهَا بِيعَ بَعْضُهُ فِيهَا وَمَا بَقِيَ لِلْمُكَاتَبِ.

وَلَنَا أَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ جَنَى فَمَلَكَ فِدَاءَهُ كَسَائِرِ عَبِيدِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ وَقَوْلُهُمْ: لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>