للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى خَيَّاطٍ أَوْ قَصَّارٍ لِيَخِيطَهُ أَوْ يَقْصِرُهُ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شَرْطٍ وَلَا تَعْوِيضٍ بِأَجْرِ]

(٤٣٢٩) فَصْلٌ: إذَا دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى خَيَّاطٍ أَوْ قَصَّارٍ، لِيَخِيطَهُ أَوْ يَقْصُرَهُ، مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شَرْطٍ، وَلَا تَعْوِيضٍ بِأَجْرٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: خُذْ هَذَا فَاعْمَلْهُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّك إنَّمَا تَعْمَلُ بِأَجْرٍ. وَكَانَ الْخَيَّاطُ وَالْقَصَّارُ مُنْتَصِبَيْنِ لِذَلِكَ، فَفَعَلَا ذَلِكَ، فَلَهُمَا الْأَجْرُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا أَجْرَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ جُعِلَ لَهُمَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَبَرَّعَا بِعَمَلِهِ. وَلَنَا أَنَّ الْعُرْفَ الْجَارِيَ بِذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ، فَصَارَ كَنَقْدِ الْبَلَدِ، وَكَمَا لَوْ دَخَلَ حَمَّامًا، أَوْ جَلَسَ فِي سَفِينَةٍ مَعَ مَلَّاحٍ، وَلِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَقْتَضِيه، فَصَارَ كَالتَّعْوِيضِ

فَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُونَا مُنْتَصِبَيْنِ لِذَلِكَ، لَمْ يَسْتَحِقَّا أَجْرًا إلَّا بِعَقْدٍ أَوْ شَرْطِ الْعِوَضِ، أَوْ تَعْوِيضٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ يَقُومُ مَقَامَ الْعَقْدِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ، أَوْ عَمِلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ. وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى رَجُلٍ لِيَبِيعَهُ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ، إنْ كَانَ مُنْتَصِبًا يَبِيعُ لِلنَّاسِ بِأَجْرٍ، فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَمَتَى دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ، وَلَمْ يُقَاطِعْهُ عَلَى أَجْرٍ، فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَخْتَلِفُ أُجْرَتُهَا، وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا، فَجَرَى مَجْرَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ

فَإِنْ تَلِفَ الثَّوْبُ مِنْ حِرْزِهِ، أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُضْمَنُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، لَا يُضْمَنُ فِي فَاسِدِهِ. وَإِنْ تَلِفَ مِنْ فِعْلِهِ، بِتَخْرِيقِهِ أَوْ دَقِّهِ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمِنَهُ بِذَلِكَ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، فَفِي الْفَاسِدِ أَوْلَى. وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي مَنْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَيَّ قَصَّارٍ لِيَقْصُرَهُ، وَلَمْ يَقْطَعْ لَهُ أَجْرًا، بَلْ قَالَ: أَنَا أُعْطِيك كَمَا تُعْطَى. وَهَلَكَ الثَّوْبُ، فَإِنْ كَانَ بِخَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا تَجْنِيه يَدُهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، بَيَّنَ الْكِرَاءَ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ، وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ.

[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْمِلَ لَهُ كِتَابًا إلَى مَكَّة أَوْ غَيْرهَا إلَى صَاحِبٍ لَهُ فَحَمَلَهُ فَوَجَدَ صَاحِبَهُ غَائِبًا فَرَدَّهُ]

(٤٣٣٠) فَصْلٌ: إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْمِلَ لَهُ كِتَابًا إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا، إلَى صَاحِبٍ لَهُ، فَحَمَلَهُ، فَوَجَدَ صَاحِبَهُ غَائِبًا، فَرَدَّهُ، اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِحَمْلِهِ فِي الذَّهَابِ وَالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ فِي الذَّهَابِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ صَرِيحًا، وَفِي الرَّدِّ تَضْمِينًا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ كَلَامِهِ: وَإِنْ لَمْ تَجِدْ صَاحِبَهُ فَرُدَّهُ. إذْ لَيْسَ سِوَى رَدِّهِ إلَّا تَضْيِيعَهُ. فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى تَضْيِيعَهُ، فَتَعَيَّنَ رَدُّهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>