للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٨٨٠٩) فَصْلٌ: وَكَسْبُهُمْ؛ لِلْمُكَاتِبِ؛ لِأَنَّهُمْ مَمَالِيكُهُ. وَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ، بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا بِحُكْمِ الْقَرَابَةِ. وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ السَّيِّدُ، لَمْ يَعْتِقُوا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ، فَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِمْ. وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ الْمُكَاتَبُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، لَمْ يَعْتِقُوا؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّدِهِ بِهِمْ. وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ بِإِذْنِهِ، عَتَقُوا، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ غَيْرَهُمْ مِنْ عَبِيدِهِ.

وَإِنْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ، عَتَقَ، وَصَارُوا رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ، كَمَا لَوْ عَجَزَ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ تَبْطُلُ بِعِتْقِهِ، كَمَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ. وَعَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ، يَعْتِقُونَ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ قَبْلَ فَسْخِ الْكِتَابَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَعْتِقُوا، كَمَا لَوْ عَتَقَ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ بِأَدَائِهِ، يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ، يَسْتَفِيدُ بِهَا الْمُكَاتَبُ مِلْكَ رَقِيقِهِ وَاكْتِسَابِهِ، وَيَبْقَى حَقُّ السَّيِّدِ فِي مِلْكِ رَقَبَتِهِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْأَدَاءِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، فَلَا يَتَسَلَّطُ السَّيِّدُ عَلَى إبْطَالِهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ، وَإِنَّمَا يَتَسَلَّطُ عَلَى إبْطَالِ حَقِّهِ مِنْ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ، فَيَنْفُذُ فِي مَالِهِ دُونَ مَالِ الْمُكَاتَبِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ هَذَا فِيمَا مَضَى. وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ، وَلَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً، عَادَ رَقِيقًا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يَسْعَوْنَ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِهَا، وَكَذَلِكَ أُمُّ وَلَدِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْوَلَدِ خَاصَّةً: إنْ جَاءَ بِالْكِتَابَةِ حَالَّةً، قُبِلَتْ مِنْهُ، وَعَتَقَ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَبْدٌ لِلْمُكَاتَبِ، فَصَارَ بِمَوْتِهِ لِسَيِّدِهِ إذَا لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً كَالْأَجْنَبِيِّ. وَإِنْ خَلَّفَ وَفَاءً، انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي فَسْخِ الْكِتَابَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

[فَصْلٌ وُهِبَ لِلْمُكَاتَبِ بَعْضُ ذَوِي رَحِمِهِ]

(٨٨١٠) فَصْلٌ: وَإِنْ وُهِبَ لَهُ بَعْضُ ذَوِي رَحِمِهِ، فَلَهُ قَبُولُهُ. وَإِنْ وُصِّيَ لَهُ بِهِ، فَلَهُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ شِرَاءَهُ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ مَالِهِ، فَلَأَنْ يَجُوزَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى. وَإِذَا مَلَكَهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ.

[فَصْلٌ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ امْرَأَتَهُ وَالْمُكَاتَبَةُ زَوْجَهَا]

(٨٨١١) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ امْرَأَتَهُ، وَالْمُكَاتَبَةُ زَوْجَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُكَاتَبِ، فَجَازَ لِلْمُكَاتَبِ، كَشِرَاءِ الْأَجَانِبِ. وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّسَرِّي، وَلَا يَعْتِقُ وَالِدُهُ وَوَلَدُهُ إذَا اشْتَرَاهُ، فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ الْقِنَّ. وَلَنَا، أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ مَا اشْتَرَاهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَلِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ، وَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ التَّسَرِّي، لِتَعَلُّقِ حَقِّ سَيِّدِهِ بِمَا فِي يَدِهِ، كَمَا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ ثُبُوتِ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ ذَوُو رَحِمِهِ لِذَلِكَ، فَإِذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ.

[فَصْلٌ زَوَّجَ السَّيِّدُ ابْنَهُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ بِرِضَاهَا ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ وَكَانَتْ مِنْ وَرَثَتِهِ]

(٨٨١٢) فَصْلٌ: وَإِذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ ابْنَهُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ بِرِضَاهَا، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ، وَكَانَتْ مِنْ وَرَثَتِهِ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَإِنَّمَا تَمْلِكُ نَصِيبَهَا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>