للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِجْلَهُ الْيُمْنَى. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ وَمَا لَا يُسَلِّمُ.» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَهَذَانِ يَقْضِيَانِ عَلَى كُلِّ تَشَهُّدٍ بِالِافْتِرَاشِ، إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي، فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى قَضِيَّةِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ، فَلَا يَتَوَرَّكُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ، إنَّمَا تَوَرَّكَ فِيهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَشَهُّدٌ وَاحِدٌ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَعْنَى إنْ صَحَّ فَيُضَمُّ إلَيْهِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَنُعَلِّلُ الْحُكْمَ بِهِمَا، وَالْحُكْمُ إذَا عُلِّلَ بِعِلَّتَيْنِ لَمْ يَجُزْ تَعَدِّيهِ لِتَعَدِّي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(٧٥٤) فَصْلٌ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَمَا تَقُولُ فِي تَشَهُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ؟ فَقَالَ " يُتَوَرَّكُ فِيهِ أَيْضًا، هُوَ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ. يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ السُّجُودِ فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ؛ لِأَنَّ تَشَهُّدَهَا يُتَوَرَّكُ فِيهِ، وَهَذَا تَابِعٌ لَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُتَوَرَّكُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ لِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ رُبَاعِيَّةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَشَهُّدٌ ثَانٍ فِي الصَّلَاةِ، وَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَشَهُّدِ صُلْبِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، فَيَجْلِسُ الْإِمَامُ فِي الرَّابِعَةِ، أَيَتَوَرَّكُ مَعَهُ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ فِي هَذِهِ الْجَلْسَةِ؟ فَقَالَ: إنْ شَاءَ تَوَرَّكَ.

قُلْت: فَإِذَا قَامَ يَقْضِي، يَجْلِسُ فِي الرَّابِعَةِ هُوَ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَوَرَّكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، يَتَوَرَّكُ، هَذَا لِأَنَّهَا هِيَ الرَّابِعَةُ لَهُ، نَعَمْ يَتَوَرَّكُ، وَيُطِيلُ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ تَوَرَّكَ. عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مَسْنُونٌ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا فِيمَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، لَا يَتَوَرَّكَ إلَّا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَانِ رِوَايَتَيْنِ.

[مَسْأَلَة الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ فِي التَّشَهُّدِ]

مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَتَشَهَّدُ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ بِالتَّشَهُّدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي صَحِيحِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ. إنَّ ابْنَ رَاهْوَيْهِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. قَالَ: مَا أَجْتَرِئُ أَنْ أَقُولَ هَذَا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: هَذَا شُذُوذٌ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهَا.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ قَوْلُ جُلِّ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا الشَّافِعِيَّ. وَكَانَ إِسْحَاقُ يَقُولُ: لَا يُجْزِئُهُ إذَا تَرَكَ ذَلِكَ عَامِدًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَقُولُ؛ لِأَنَّنِي لَا أَجِدُ الدَّلَالَةَ مَوْجُودَةً فِي إيجَابِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>