أَنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَلَ الْوَكِيلَ، وَأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ، وَشَهِدَ لَهُ ابْنَاهُ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ حَقًّا لِأَبِيهِمَا.
وَلَوْ ادَّعَى مُكَاتَبٌ الْوَكَالَةَ، فَشَهِدَ لَهُ سَيِّدُهُ، أَوْ ابْنَا سَيِّدِهِ، أَوْ أَبَوَاهُ، لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَشْهَدُ لِعَبْدِهِ، وَابْنَاهُ يَشْهَدَانِ لِعَبْدِ أَبِيهِمَا، وَالْأَبَوَانِ يَشْهَدَانِ لِعَبْدِ ابْنِهِمَا. فَإِنْ عَتَقَ، فَأَعَادَ الشَّهَادَةَ، فَهَلْ تُقْبَلُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
[فَصْلٌ حَضَرَا عِنْد الْحَاكِمِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْآخَرَ وَكَّلَهُ ثُمَّ غَابَ الْمُوَكِّلُ وَحَضَرَ الْوَكِيلُ]
(٣٨١١) فَصْلٌ: إذَا حَضَرَ رَجُلَانِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْآخَرَ وَكَّلَهُ، ثُمَّ غَابَ الْمُوَكِّلُ، وَحَضَرَ الْوَكِيلُ، فَقَدَّمَ خَصْمًا لِمُوَكِّلِهِ، وَقَالَ: أَنَا وَكِيلُ فُلَانٍ. فَأَنْكَرَ الْخَصْمُ كَوْنَهُ وَكِيلَهُ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ. لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِوَكَالَتِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ. وَكَانَ الْحَاكِمُ يَعْرِفُ الْمُوَكِّلَ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، صَدَّقَهُ، وَمَكَّنَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ كَالْبَيِّنَةِ. وَإِنْ عَرَفَهُ بِعَيْنِهِ دُونَ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ، لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ، حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ بِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ تَثْبِيتَ نَسَبِهِ عِنْدَهُ بِقَوْلِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ.
[فَصْلٌ حَضَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ رَجُلٌ فَادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ]
(٣٨١٢) فَصْلٌ: وَلَوْ حَضَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ رَجُلٌ، فَادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ، فِي شَيْءٍ عَيَّنَهُ، وَأَحْضَرَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْوَكَالَةِ، سَمِعَهَا الْحَاكِمُ. وَلَوْ ادَّعَى حَقًّا لِمُوَكِّلِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ وَكَالَتِهِ، لَمْ يَسْمَعْ الْحَاكِمُ دَعْوَاهُ. وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَسْمَعُهَا إلَّا أَنْ يُقَدِّمَ خَصْمًا مِنْ خُصَمَاءِ الْمُوَكِّلِ، فَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ حَقًّا، فَإِذَا أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الْبَيِّنَةَ، فَحَصَلَ الْخِلَافُ بَيْنَنَا فِي حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْحَاكِمَ عِنْدَنَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ خَصْمٍ، وَعِنْدَهُ لَا يَسْمَعُ.
وَالثَّانِي، أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِمُوَكِّلِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ وَكَالَتِهِ، وَعِنْدَهُ تُسْمَعُ. وَبَنَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ، وَسَمَاعُ الْبَيِّنَةِ بِالْوَكَالَةِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تُلْزِمُ الْخَصْمَ، مَا لَمْ يَجِبْ الْوَكِيلُ عَنْ دَعْوَى الْخَصْمِ أَنَّك لَسْت بِوَكِيلِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلْوَكَالَةِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حُضُورِ الْمُوَكَّلِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً فَأُحْضِرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْبَاقِينَ لَا يُفْتَقَرُ إلَى حُضُورِهِمْ، كَذَلِكَ هَاهُنَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْوَكَالَةِ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ إلَّا مِنْ خَصْمٍ يُخَاصِمُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ مُوَكِّلِهِ، وَهَذَا لَا يُخَاصِمُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِمَنْ يَدَّعِي لَهُ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى لِمَنْ لَمْ يَدَّعِ وَكَالَتَهُ، وَفِي هَذَا الْأَصْلِ جَوَابٌ عَمَّا ذَكَرَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute