أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَتْرُكُهَا عِنْدَهُ. وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ مَتَى سَافَرَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَالِكِهَا، أَوْ نَائِبِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَهُوَ مُفَرِّطٌ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى صَاحِبِهَا إمْكَانَ اسْتِرْجَاعِهَا، وَيُخَاطِرُ بِهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْمُسَافِرَ وَمَالَهُ لَعَلَى قُلْت، إلَّا مَا وَقَى اللَّهُ» . أَيْ عَلَى هَلَاكٍ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِذْنِ فِي إمْسَاكِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَضْمَنُ هَذَا الْخَطَرَ، وَلَا يُفَوِّتُ إمْكَانَ رَدِّهَا عَلَى صَاحِبِهَا، الْإِذْنُ فِيمَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ
فَأَمَّا مَعَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ، فَلَهُ السَّفَرُ بِهَا إذَا كَانَ أَحْفَظَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَتِهِ فَيَخْتَارُ فِعْلَ مَا فِيهِ الْحَظُّ. (٥٠٤٧) فَصْلٌ: وَإِنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ السَّفَرِ، عَلَى مَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِهِ، إلَّا فِي أَخْذِهَا مَعَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْوَدِيعَةِ عَنْ يَدِهِ.
[مَسْأَلَةٌ كَانَتْ الْوَدِيعَة غَلَّةً فَخَلَطَهَا فِي صِحَاحٍ أَوْ صِحَاحًا فَخَلَطَهَا فِي غَلَّةٍ]
(٥٠٤٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ غَلَّةً فَخَلَطَهَا فِي صِحَاحٍ، أَوْ صِحَاحًا فَخَلَطَهَا فِي غَلَّةٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) يَعْنِي بِالْغَلَّةِ الْمُكَسَّرَةَ إذَا خَلَطَهَا بِصِحَاحٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ خَلَطَ الصِّحَاحَ بِالْمُكَسَّرَةِ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَمَيَّزُ مِنْهَا فَلَا يَعْجِزُ بِذَلِكَ عَنْ رَدِّهَا عَلَى صَاحِبِهَا، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ تَرَكَهَا فِي صُنْدُوقٍ وَفِيهِ أَكْيَاسٌ لَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ اخْتِلَافًا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا خَلَطَ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ، وَبِيضًا بِسُودٍ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَنْ خَلَطَ دَرَاهِمَ بِيضًا بِسُودٍ: يَضْمَنُهَا.
وَلَعَلَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا تَكْتَسِبُ مِنْهَا سَوَادًا، أَوْ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهَا، فَتَنْقُصُ قِيمَتُهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ضَرَرٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْوَدِيعَة فِي مَنْزِلٍ فَأَخْرَجَهَا عَنْ الْمَنْزِلِ لِغَشَيَانِ نَارٍ]
(٥٠٤٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي مَنْزِلٍ، فَأَخْرَجَهَا عَنْ الْمَنْزِلِ، لِغَشَيَانِ نَارٍ، أَوْ سَيْلٍ، أَوْ شَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ الْبَوَارُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute