للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التُّهْمَةِ عَنْهُ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ لَا يُتَّهَمُ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ بِنَفْسِهِ، وَمَعَ الْإِكْرَاهِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ قَصَدَ بِإِقْرَارِهِ دَفْعَ ضَرَرِ الْإِكْرَاهِ، فَانْتَفَى ظَنُّ الصِّدْقِ عَنْهُ، فَلَمْ يُقْبَلْ.

[فَصْلٌ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَةً وَادَّعَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ]

(٧١٨٢) فَصْلٌ: فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَةً، وَادَّعَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ، وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ يَكُونَ زَوْجَهَا. نَظَرْنَا؛ فَإِنْ لَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالزِّنَا، وَلَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَدَّعِيهِ، وَإِنْ اعْتَرَفَتْ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا، وَأَقَرَّتْ بِأَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً، فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِدُونِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ، أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهَا، فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِهِ. فَقَدْ رَوَى مُهَنَّا، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ وَطِئَ امْرَأَةً، وَزَعَمَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَأَنْكَرَتْ هِيَ أَنْ يَكُونَ زَوْجَهَا، وَأَقَرَّتْ بِالْوَطْءِ. قَالَ: فَهَذِهِ قَدْ أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا بِالزِّنَا، وَلَكِنْ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ: إنَّهَا امْرَأَتُهُ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَيُدْرَأُ عَنْهَا الْحَدُّ حَتَّى تَعْتَرِفَ مِرَارًا.

قَالَ أَحْمَدُ: وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَرَوْنَ عَلَيْهَا الْحَدَّ، يَذْهَبُونَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ.

[مَسْأَلَةٌ مِنْ شَرْطِ إقَامَةِ الْحَدِّ بِالْإِقْرَارِ الْبَقَاءُ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْحَدِّ]

(٧١٨٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَنْزِعُ عَنْ إقْرَارِهِ حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ الْحَدُّ) وَجُمْلَتُهُ: إنَّ مِنْ شَرْطِ إقَامَةِ الْحَدِّ بِالْإِقْرَارِ، الْبَقَاءَ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْحَدِّ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ أَوْ هَرَبَ، كُفَّ عَنْهُ. وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَا يُتْرَكُ؛ لِأَنَّ مَاعِزًا هَرَبَ فَقَتَلُوهُ، وَلَمْ يَتْرُكُوهُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ قَوْمِي هُمْ غَرُّونِي مِنْ نَفْسِي، وَأَخْبَرُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ قَاتِلِي. فَلَمْ يَنْزِعُوا عَنْهُ حَتَّى قَتَلُوهُ.» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَلَوْ قُبِلَ رُجُوعُهُ، لَلَزِمَتْهُمْ دِيَتُهُ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ بِإِقْرَارِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ إنْ رَجَعَ حُدَّ لِلْفِرْيَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ رَجَعَ عَنْ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ، ضُرِبَ دُونَ الْحَدِّ.

وَلَنَا «أَنَّ مَاعِزًا هَرَبَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ، يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَنُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ، وَنَصْرِ بْنِ دَاهِرٍ، وَغَيْرِهِمْ، «أَنَّ مَاعِزًا لَمَّا هَرَبَ، فَقَالَ لَهُمْ: رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ، يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ.» فَفِي هَذَا أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ.

وَعَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ وَمَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>