إبْقَاءِ الْعَقْدِ.
فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ أَرْشِ الْعَيْبِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ يَقْبِضُهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ عَنْ الصَّرْفِ، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى.
[فَصْلٌ مِنْ شَرْطِ الْمُصَارَفَةِ فِي الذِّمَّةِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ مَعْلُومَيْنِ]
(٢٨٥٠) فَصْلٌ: وَمَنْ شَرْطِ الْمُصَارَفَةِ فِي الذِّمَّةِ، أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ مَعْلُومَيْنِ، إمَّا بِصِفَةٍ يَتَمَيَّزَانِ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ مَعْلُومٌ أَوْ غَالِبٌ، فَيَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك دِينَارًا مِصْرِيًّا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ نَقْدِ عَشَرَةٍ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ، إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْبَلَدِ نَقْدُ عَشَرَةٍ بِدِينَارٍ، إلَّا نَوْعٌ وَاحِدٌ، فَتَنْصَرِفُ تِلْكَ الصِّفَةُ إلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْبَيْعِ.
[فَصْلٌ لِرَجُلٍ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ ذَهَبٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَاصْطَرَفَا بِمَا فِي ذِمَّتِهِمَا]
(٢٨٥١) فَصْلٌ: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ ذَهَبٌ، وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، فَاصْطَرَفَا بِمَا فِي ذِمَّتِهِمَا، لَمْ يَصِحَّ، وَبِهَذَا قَالَ اللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ جَوَازَهُ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ الْحَاضِرَةَ كَالْعَيْنِ الْحَاضِرَةِ؛ وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ.
وَلَنَا، أَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدِينٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا هُوَ إجْمَاعٌ. وَقَدْ رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ، ( «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» . وَفَسَّرَهُ بِالدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. إلَّا أَنَّ الْأَثْرَمَ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سُئِلَ: أَيَصِحُّ فِي هَذَا حَدِيثٌ؟ قَالَ: لَا. وَإِنَّمَا صَحَّ الصَّرْفُ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ، بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ، فَجَرَى الْقَبْضُ وَالتَّعْيِينُ فِي الْمَجْلِسِ مَجْرَى وُجُودِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ. وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَنَانِيرُ، فَقَضَاهُ دَرَاهِمَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ نَظَرْت، فَإِنْ كَانَ يُعْطِيهِ كُلَّ دِرْهَمٍ بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّينَارِ، صَحَّ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَحَاسَبَا بَعْدَ ذَلِكَ فَصَارَفَهُ بِهَا وَقْتَ الْمُحَاسَبَةِ، لَمْ يَجُزْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ دَيْنٌ، وَالدَّرَاهِمَ صَارَتْ دَيْنًا، فَيَصِيرُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. وَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ مَالَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ صَارَفَهُ بِعَيْنٍ وَذِمَّةٍ، صَحَّ. وَإِذَا أَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَلَمْ يَقْضِهِ ذَلِكَ وَقْتَ دَفْعِهَا إلَيْهِ، ثُمَّ أَحْضَرَهَا، وَقَوَّمَاهَا، فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَضَاءِ، لَا يَوْمَ دَفْعِهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَصِرْ فِي مِلْكِهِ، إنَّمَا هِيَ وَدِيعَةٌ فِي يَدِهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ، أَوْ نَقَصَتْ، فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الْقَابِضِ لَهَا إذَا قَبَضَهَا بِنِيَّةِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ عَلَى أَنَّهَا عِوَضٌ وَوَفَاءٌ، وَالْمَقْبُوضُ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ كَالْمَقْبُوضِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ. وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَ صَيْرَفِيٍّ دَنَانِيرُ، فَأَخَذَ مِنْهُ دَرَاهِمَ إدْرَارًا؛ لِتَكُونَ هَذِهِ بِهَذِهِ، لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ مَنْ قَبَضَهُ، فَإِذَا أَرَادَ التَّصَارُفَ أَحْضَرَا أَحَدَهُمَا، وَاصْطَرَفَا بِعَيْنٍ وَذِمَّةٍ.
(٢٨٥٢) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ اقْتِضَاءُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْأُخَرِ، وَيَكُونُ صَرْفًا بِعَيْنٍ وَذِمَّةٍ، فِي قَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute