شَاءَ زَيْدٌ. فَقَالَ زَيْدٌ: قَدْ شِئْت أَنْ لَا تَشْرَبَ. فَشَرِبَ حَنِثَ، وَإِنْ شَرِبَ قَبْلَ مَشِيئَتِهِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الشُّرْبِ مُعَلَّقٌ بِمَشِيئَتِهِ، وَلَمْ تَثْبُتْ مَشِيئَتُهُ، فَلَمْ يَثْبُتْ الِامْتِنَاعُ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَإِنْ خَفِيَتْ مَشِيئَتُهُ، فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومَةِ. وَالْمَشِيئَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ.
[مَسْأَلَةٌ اسْتَثْنَى فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]
(٨٠٠٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا اسْتَثْنَى فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ. وَقَدْ قَطَعَ فِي مَوْضِعٍ، أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ يَعْنِي إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، إنْ شَاءَ اللَّهُ. أَوْ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْجَوَابِ؛ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا، وَتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ، وَفِي مَوْضِعٍ قَطَعَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا. قَالَ، فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ وَحَنْبَلٍ: مَنْ حَلَفَ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ. لَمْ يَحْنَثْ، وَلَيْسَ لَهُ اسْتِثْنَاءٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. قَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ: لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْأَيْمَانِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ.
وَقَالَ طَاوُسٌ، وَحَمَّادٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ» . وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ بِشَرْطٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُهُ، فَلَمْ يَقَعَا، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ زَيْدٍ، وَلَمْ تَتَحَقَّقْ مَشِيئَتُهُ وَلَنَا، أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ، فَوَقَعَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ، وَالْحَدِيثُ إنَّمَا تَنَاوَلَ الْأَيْمَانَ، وَلِيس هَذَا بِيَمِينٍ، إنَّمَا هُوَ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّمَا وَرَدَّ التَّوْقِيفُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى، وَقَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ: الْأَيْمَانُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. إنَّمَا جَاءَ عَلَى التَّقْرِيبِ، وَالِاتِّسَاعِ وَلَا يَمِينَ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا بِاَللَّهِ - تَعَالَى، وَهَذَا طَلَاقٌ وَعَتَاقٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الطَّلَاقِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا.
[مَسْأَلَة قَالَ إنْ تَزَوَّجَتْ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ]
(٨٠٠١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ. لَمْ تَطْلُقْ إنْ تَزَوَّجَ بِهَا. وَإِنْ قَالَ: إذَا مَلَكْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَهُ صَارَ حُرًّا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَعَنْهُ: لَا يَقَعُ طَلَاقٌ، وَلَا عِتْقٌ. رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَعُرْوَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَوَّارٌ وَالْقَاضِي، وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَشُرَيْحٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute