[فَصْلٌ تَعْزِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]
(١٦٥٤) فَصْلٌ: وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عَنْ تَعْزِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَهِيَ تُخَرَّجُ عَلَى عِيَادَتِهِمْ، وَفِيهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَا نَعُودُهُمْ، فَكَذَلِكَ لَا نُعَزِّيهِمْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ» .
وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ. وَالثَّانِيَةُ، نَعُودُهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَى غُلَامًا مِنْ الْيَهُودِ كَانَ مَرِضَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ. فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ. فَأَسْلَمَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَعَلَى هَذَا نُعَزِّيهِمْ فَنَقُولُ فِي تَعْزِيَتِهِمْ بِمُسْلِمٍ: أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك. وَعَنْ كَافِرٍ: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك، وَلَا نَقَصَ عَدَدَك. وَيَقْصِدُ زِيَادَةَ عَدَدِهِمْ لِتَكْثُرَ جِزْيَتُهُمْ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، يَقُولُ: أَعْطَاك اللَّهُ عَلَى مُصِيبَتِك أَفْضَلَ مَا أَعْطَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دِينِك. فَأَمَّا الرَّدُّ مِنْ الْمُعَزَّى، فَبَلَغَنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يُعَزِّي فِي عَبْثَرٍ ابْنِ عَمِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاك، وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ.
[فَصْلٌ الْجُلُوسُ لِلتَّعْزِيَةِ]
(١٦٥٥) فَصْلٌ: قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُكْرَهُ الْجُلُوسُ لِلتَّعْزِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَهْيِيجًا لِلْحُزْنِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ التَّعْزِيَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ، إلَّا لِمَنْ لَمْ يُعَزِّ، فَيُعَزِّي إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ. وَقَالَ: إنْ شِئْت أَخَذْت بِيَدِ الرَّجُلِ فِي التَّعْزِيَةِ، وَإِنْ شِئْت لَمْ تَأْخُذْ. وَإِذَا رَأَى الرَّجُلَ قَدْ شَقَّ ثَوْبَهُ عَلَى الْمُصِيبَةِ عَزَّاهُ، وَلَمْ يَتْرُكْ حَقًّا لِبَاطِلٍ، وَإِنْ نَهَاهُ فَحَسَنٌ.
[مَسْأَلَةٌ الْبُكَاءُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَدْبٌ وَلَا نِيَاحَةٌ]
(١٦٥٦) مَسْأَلَةٌ؛ (قَالَ: وَالْبُكَاءُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَدْبٌ وَلَا نِيَاحَةٌ) أَمَّا الْبُكَاءُ بِمُجَرَّدِهِ فَلَا يُكْرَهُ فِي حَالٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُبَاحُ إلَى أَنْ تَخْرُجَ الرُّوحُ، وَيُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ قَالَ: «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ يَعُودُهُ، فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ فَصَاحَ بِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَاسْتَرْجَعَ، وَقَالَ: غُلِبْنَا عَلَيْك أَبَا الرَّبِيعِ. فَصَاحَ النِّسْوَةُ، وَبَكَيْنَ، فَجَعَلَ ابْنُ عَتِيكٍ يُسْكِتُهُنَّ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهُنَّ، فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِينَ بَاكِيَةٌ.» يَعْنِي إذَا مَاتَ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: «شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ» . «وَقَبَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَعَيْنَاهُ تُهْرَاقَانِ» . وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتَذْرِفَانِ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute