للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِتَابَةَ الصَّحِيحَةَ تَقْتَضِي الْعِتْقَ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ الْعِوَضِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِدَفْعِ مَا لَيْسَ لَهُ، وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِمَا جَمِيعًا عَتَقَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ فَإِذَا عَتَقَ سَرَى إلَى سَائِرِهِ.

وَإِنْ كَانَ الَّذِي كَاتَبَهُ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْعِتْقِ أَوْ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ نَصِيبِهِ عَلَى صِفَةٍ فَعَتَقَ بِهَا، وَيَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِالْعِتْقِ، فَأَمَّا إنْ مَلَكَ الْعَبْدُ شَيْئًا بِجُزْئِهِ الْمُكَاتَبِ، مِثْلُ أَنْ هَايَأَهُ سَيِّدُهُ فَكَسَبَ شَيْئًا فِي نَوْبَتِهِ أَوْ أَعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا حَقَّ لِسَيِّدِهِ فِيهِ، وَلَهُ أَدَاءُ جَمِيعِهِ فِي كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْكِتَابَةِ فَأَشْبَهَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ بَعْدَ إعْطَاءِ الشَّرِيكِ حَقَّهُ.

فَلَوْ كَانَ ثُلُثُهُ حُرًّا وَثُلُثُهُ مُكَاتَبًا وَثُلُثُهُ رَقِيقًا، فَوَرِثَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ مِيرَاثًا، وَأَخَذَ بِجُزْئِهِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ، فَلَهُ دَفْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَحَقَّ بِجُزْئِهِ الرَّقِيقِ شَيْئًا مِنْهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ مَالِكُهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِذَا أَدَّى جَمِيعَ كِتَابَتِهِ عَتَقَ فَإِذَا كَانَ الَّذِي كَاتَبَهُ مُعْسِرًا، لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ وَلَمْ يَتَعَدَّ نَصِيبَهُ، كَمَا إذَا وَاجَهَهُ بِالْعِتْقِ إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي نَقُولُ فِيهَا بِالِاسْتِسْعَاءِ فَإِنَّهُ يُسْتَسْعَى فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُكَاتَبْ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا سَرَى إلَى بَاقِيهِ.

[فَصْلٌ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مِلْكًا لِرَجُلٍ فَكَاتَبَ بَعْضَهُ.]

(٨٧٦٣) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مِلْكًا لِرَجُلٍ فَكَاتَبَ بَعْضَهُ جَازَ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَصَحَّتْ فِي بَعْضِهِ كَالْبَيْعِ، فَإِذَا أَدَّى جَمِيعَ كِتَابَتِهِ عَتَقَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَرَى الْعِتْقُ فِيهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِلَى مِلْكِهِ أَوْلَى، وَيَجِبُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى سَيِّدِهِ مِثْلَيْ كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ مَا يَكْسِبُهُ يَسْتَحِقُّهُ سَيِّدُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ، وَنِصْفَهُ يُؤَدِّي فِي الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى سَيِّدُهُ بِتَأْدِيَةِ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابَةِ فَيَصِحُّ فَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَالَ كُلَّهُ عَتَقَ نِصْفُهُ بِالْكِتَابَةِ وَبَاقِيهِ بِالسِّرَايَةِ.

[فَصْلٌ كَانَ الْعَبْدُ لِرَجُلَيْنِ فَكَاتَبَاهُ مَعًا.]

(٨٧٦٤) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لِرَجُلَيْنِ فَكَاتَبَاهُ مَعًا جَازَ سَوَاءٌ تَسَاوَيَا فِي الْعِوَضِ أَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ نَصِيبَاهُمَا فِيهِ أَوْ اخْتَلَفَ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَاضَلَا فِي الْمَالِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ وَلِأَنَّ التَّسَاوِيَ فِي الْمَالِ مَنَعَ التَّفَاضُلَ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَنْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ مِلْكِهِ ثُمَّ عَجَزَ، رَجَعَ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِذَلِكَ. وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْقِدُ عَلَى نَصِيبِهِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ.

وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ انْتِفَاعَ أَحَدِهِمَا بِمَالِ الْآخَرِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَيَات الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ زَوَالِهِ فَلَا يَضُرُّ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَدِّي إلَيْهِمَا عَلَى التَّسَاوِي، وَإِذَا عَجَزَ قُسِمَ مَا كَسَبَهُ بَيْنَهُمَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>