للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ دُخُولُ أَهْل الْكِتَاب الْحِجَازِ لِلتِّجَارَةِ]

(٧٦٩٠) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لَهُمْ دُخُولُ الْحِجَازِ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ النَّصَارَى كَانُوا يَتَّجِرُونَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَتَاهُ شَيْخٌ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ، وَإِنَّ عَامِلَك عَشَرَنِي مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ. وَكَتَبَ لَهُ عُمَرُ، أَنْ لَا يُعْشَرُوا فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً. وَلَا يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الْإِقَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ - عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقِيمُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ حَدَّ مَا يُتِمُّ الْمُسَافِرُ الصَّلَاةَ.

وَالْحُكْمُ فِي دُخُولِهِمْ إلَى الْحِجَازِ فِي اعْتِبَارِ الْإِذْنِ، كَالْحُكْمِ فِي دُخُولِ أَهْلِ الْحَرْبِ دَارَ الْإِسْلَامِ. وَإِذَا مَرِضَ بِالْحِجَازِ، جَازَتْ لَهُ الْإِقَامَةُ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ الِانْتِقَالُ عَلَى الْمَرِيضِ، وَتَجُوزُ الْإِقَامَةُ لِمَنْ يُمَرِّضُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ. وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى أَحَدٍ وَكَانَ حَالًّا، أُجْبِرَ غَرِيمُهُ عَلَى وَفَائِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ لِمَطْلٍ، أَوْ تَغَيَّبَ عَنْهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُمَكِّنَ مِنْ الْإِقَامَةِ، لِيَسْتَوْفِيَ دِينَهُ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي إخْرَاجِهِ ذَهَابُ مَالِهِ.

وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الْإِقَامَةِ، وَيُوَكِّلُ مَنْ يَسْتَوْفِيه لَهُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْهُ، وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْإِقَامَةِ لِيَبِيعَ بِضَاعَتَهُ، احْتَمَلَ أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ تَرْكَهَا أَوْ حَمْلَهَا مَعَهُ ضَيَاعَ مَالِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ بِالْبَضَائِعِ إلَى الْحِجَازِ، فَتَفُوتُ مَصْلَحَتُهُمْ، وَتَلْحَقُهُمْ الْمَضَرَّةُ، بِانْقِطَاعِ الْجَلَبِ عَنْهُمْ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُمْنَعُ مِنْ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ بُدًّا. فَإِنْ أَرَادَ الِانْتِقَالَ إلَى مَكَان آخَرَ مِنْ الْحِجَازِ، جَازَ، وَيُقِيمُ فِيهِ أَيْضًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَرْبَعَةً، عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى مَكَان آخَرَ، جَازَ، وَلَوْ حَصَلَتْ الْإِقَامَةُ فِي الْجَمِيعِ شَهْرًا. وَإِذَا مَاتَ بِالْحِجَازِ دُفِنَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ نَقْلُهُ، وَإِذَا جَازَتْ الْإِقَامَةُ لِلْمَرِيضِ، فَدَفْنُ الْمَيِّتِ أَوْلَى.

[فَصْلٌ لَيْسَ لِأَهْلِ الْكِتَاب دُخُولُ الْحَرَمِ]

(٧٦٩١) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْحَرَمُ، فَلَيْسَ لَهُمْ دُخُولُهُ بِحَالٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُمْ دُخُولُهُ كَالْحِجَازِ كُلِّهِ، وَلَا يَسْتَوْطِنُونَ بِهِ، وَلَهُمْ دُخُولُ الْكَعْبَةِ وَالْمَنْعُ مِنْ الِاسْتِيطَانِ لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ وَالتَّصَرُّفَ، كَالْحِجَازِ.

وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨] . وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: ٢٨] يُرِيدُ: ضَرَرًا بِتَأْخِيرِ الْجَلْبِ عَنْ الْحَرَمِ دُونَ الْمَسْجِدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>