للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونَ أَوْلَادِهِمْ. وَلَمْ يُعْتِقْ الشَّافِعِيُّ إلَّا عَمُودَيْ النَّسَبِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ كَذَلِكَ ذَكَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَلَمْ يُعْتِقْ دَاوُد وَأَهْلُ الظَّاهِرِ أَحَدًا حَتَّى يُعْتِقَهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ، فَيُعْتِقَهُ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَلَنَا: مَا رَوَى الْحَسَنُ، عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَهُوَ حُرٌّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَلِأَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، كَعَمُودَيْ النَّسَبِ، وَكَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ عِنْدَ مَالِكٍ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: " حَتَّى يَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ " فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ يَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ بِشِرَائِهِ لَهُ، كَمَا يُقَالُ: ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، وَالضَّرْبُ هُوَ الْقَتْلُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَمَّا كَانَ يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ تَارَةً دُونَ أُخْرَى، جَازَ عَطْفُ صِفَتِهِ عَلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ: ضَرَبَهُ فَأَطَارَ رَأْسَهُ

وَمَتَى عَتَقَ عَلَيْهِ، فَوَلَاؤُهُ لَهُ، لِأَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ مَالِهِ بِسَبَبِ فِعْلِهِ، فَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهُ، وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ إرْثٍ، أَوْ غَيْرِهِ. لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ خِلَافًا.

[فَصْلٌ الْمَحَارِم مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يُعْتِقُونَ عَلَى سَيِّدِهِمْ]

(٥٠٠٣) فَصْلٌ: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَحَارِمَ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يُعْتِقُونَ عَلَى سَيِّدِهِمْ، كَالْأُمِّ وَالْأَخِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَالرَّبِيبَةِ، وَأُمِّ الزَّوْجَةِ، وَابْنَتِهَا إلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَشَرِيكٍ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَخِ مِنْ الرَّضَاعَةِ

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ. وَالْأُوَلُ أَصَحُّ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: جَرَتْ السُّنَّةُ بِأَنْ يُبَاعَ الْأَخُ وَالْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعِ. وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي عِتْقِهِمْ، وَلَا هُمْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَيَبْقَوْنَ عَلَى الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُمَا لَا رَحِمَ بَيْنَهُمَا، وَلَا تَوَارُثَ وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَأَشْبَهَ الرَّبِيبَةَ وَأُمَّ الزَّوْجَةِ.

[فَصْلٌ مَلَكَ وَلَدَهُ مِنْ الزِّنَى]

(٥٠٠٤) فَصْلٌ: وَإِنْ مَلَكَ وَلَدَهُ مِنْ الزِّنَى، لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ. عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَلَدِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيهِ، وَهِيَ الْمِيرَاثُ وَالْحَجْبُ، وَالْمَحْرَمِيَّةُ، وَوُجُوبُ الْإِنْفَاقِ، وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لَهُ عَلَيْهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَقَ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ حَقِيقَةً وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ تَحْرِيمِ التَّزْوِيجِ، وَلِهَذَا لَوْ مَلَكَ وَلَدَهُ الْمُخَالِفَ لَهُ فِي الدِّينِ، عَتَقَ عَلَيْهِ، مَعَ انْتِفَاءِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ.

[مَسْأَلَةٌ وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ]

(٥٠٠٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَوَلَاءُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ لِسَيِّدِهِمَا إذَا أُعْتِقَا) هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَحَكَى ابْنُ سُرَاقَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، أَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>