يَصُومُ ثَلَاثَةَ آلَافِ يَوْمٍ. وَعَجِبَ أَحْمَدُ مِنْ قَوْلِهِمَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: مِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مُتَعَمِّدًا يَصُومُ شَهْرًا. وَحُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَجِبُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ رَمَضَانَ يُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِ السَّنَةِ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا.
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ الْمُجَامِعِ: «صُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ، بِدَلِيلِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْعُذْرِ وَعَدَمِهِ، بِدَلِيلِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَمَا ذَكَرُوهُ تَحَكُّمُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَقَوْلُ رَبِيعَةَ يَبْطُلُ بِالْمَعْذُورِ. وَذُكِرَ لِأَحْمَدَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَان مُتَعَمَّدًا، لَمْ يَقْضِهِ، وَلَوْ صَامَ الدَّهْرَ» ، فَقَالَ: لَيْسَ يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ.
[مَسْأَلَةُ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ مُفْطِرَاتِ الصِّيَامِ نَاسِيًا]
(٢٠٣٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا، فَهُوَ عَلَى صَوْمِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا شَيْءَ عَلَى مِنْ أَكَلَ نَاسِيًا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ: يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ عَمْدًا، لَا يَجُوزُ مَعَ سَهْوِهِ، كَالْجِمَاعِ، وَتَرْكِ النِّيَّةِ، وَلَنَا: مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي لَفْظٍ: (مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، فَلَا يُفْطِرْ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ) .
وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ذَاتُ تَحْلِيلٍ وَتَحْرِيمٍ، فَكَانَ فِي مَحْظُورَاتِهَا مَا يَخْتَلِفُ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ، كَالصَّلَاةِ وَالْحَجَّ. وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَيْسَ تَرْكُهَا فِعْلًا، وَلِأَنَّهَا شَرْطٌ، وَالشُّرُوطُ لَا تَسْقُطُ بِالسَّهْوِ، بِخِلَافِ الْمُبْطِلَاتِ، وَالْجِمَاعُ حُكْمُهُ أَغْلَظُ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ.
[فَصْلُ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ مُفْطِرَاتِ الصِّيَامِ وَهُوَ نَائِمٌ]
(٢٠٤٠) فَصْلٌ: وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ نَائِمٌ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ، وَلَا عِلْمَ بِالصَّوْمِ، فَهُوَ أُعْذَرُ مِنْ النَّاسِي. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ. أَنَّ مِنْ فَعَلَ مِنْ هَذَا شَيْئًا جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ، لَمْ يُفْطِرْ، وَلَمْ أَرَهُ عَنْ غَيْرِهِ. وَقَوْلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» . فِي حَقَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ رَآهُمَا يُحَجِّمُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، مَعَ جَهْلِهِمَا بِتَحْرِيمِهِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَهْلَ لَا يُعْذَرُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ جَهْلٍ، فَلَمْ يَمْنَعْ الْفِطْرَ، كَالْجَهْلِ بِالْوَقْتِ فِي حَقَّ مَنْ يَأْكُلُ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، وَقَدْ كَانَ طَلَعَ.
[مَسْأَلَةُ مَنْ اسْتِقَاء فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ]
(٢٠٤١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute