للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِقَتْلِ أَرْبَعَةٍ فَقُتِلَ مِنْهُمْ ابْنُ خَطَلٍ، وَمَقِيسُ بْنُ صَبَابَةَ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ رُبَاعِهَا، وَإِجَارَةُ بُيُوتِهَا.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْحُجَّةِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قِيلَ لَهُ: أَيْنَ نَنْزِلُ غَدًا؟ قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رُبَاعٍ؟» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. يَعْنِي أَنَّ عَقِيلًا بَاعَ رُبَاعَ أَبِي طَالِبٍ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَهُ دُونَ إخْوَتِهِ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ عَلَى دِينِهِ دُونَهُمَا، فَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ، لَمَا أَثَّرَ بَيْعُ عَقِيلٍ، شَيْئًا، وَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ لَهُمْ دُورٌ بِمَكَّةَ لِأَبِي بَكْرٍ وَالزُّبَيْرِ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَأَبِي سُفْيَانَ، وَسَائِرِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَمِنْهُمْ مَنْ بَاعَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ دَارِهِ، فَهِيَ فِي يَدِ أَعْقَابِهِمْ.

وَقَدْ بَاعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ دَارَ النَّدْوَةِ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: بِعْت مَكْرُمَةَ قُرَيْشٍ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، ذَهَبَتْ الْمَكَارِمُ إلَّا التَّقْوَى. أَوْ كَمَا قَالَ. وَاشْتَرَى مُعَاوِيَةُ دَارَيْنِ. وَاشْتَرَى عُمَرُ دَارَ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ.

وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ مَكَّةَ يَتَصَرَّفُونَ فِي دُورِهِمْ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَقَدْ قَرَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنِسْبَةِ دُورِهِمْ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» . وَأَقَرَّهُمْ فِي دُورِهِمْ وَرُبَاعَهُمْ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدًا عَنْ دَارِهِ، وَلَا وَجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ أَمْلَاكِهِمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ، حَتَّى إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ شِدَّتِهِ فِي الْحَقِّ، لَمَّا احْتَاجَ إلَى دَارِ السِّجْنِ، لَمْ يَأْخُذْهَا إلَّا بِالْبَيْعِ. وَلِأَنَّهَا أَرْضٌ حَيَّةٌ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ؛ فَجَازَ بَيْعُهَا كَسَائِرِ الْأَرْضِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي خِلَافِ هَذَا، فَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَأَمَّا كَوْنُهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، فَهُوَ الصَّحِيحُ، الَّذِي لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ، إلَّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ أَهْلَهَا فِيهَا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَرُبَاعِهِمْ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَهَا لَهُمْ، كَمَا تَرَكَ لِهَوَازِنَ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، مَنْ كَانَ سَاكِنَ دَارٍ أَوْ مَنْزِلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، يَسْكُنُهُ وَيُسْكِنُهُ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ، وَلَا أَخْذُ أُجْرَتِهِ، وَمَنْ احْتَاجَ إلَى مَسْكَنٍ، فَلَهُ بَذْلُ الْأُجْرَةِ فِيهِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الشِّرَاءِ فَلَهُ ذَلِكَ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إذَا سَكَنَ أَعْطَاهُمْ أُجْرَتَهَا. فَإِنْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ فَأَمْكَنَهُ أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَيْهِمْ الْأُجْرَةَ، جَازَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سُفْيَانَ سَكَنَ فِي بَعْضِ رُبَاعِ مَكَّةَ، وَهَرَبَ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ أُجْرَةً، فَأَدْرَكُوهُ، فَأَخَذُوهَا مِنْهُ. وَذُكِرَ لِأَحْمَدَ فِعْلُ سُفْيَانَ، فَتَبَسَّمَ، فَظَاهِرُ هَذَا، أَنَّهُ أَعْجَبَهُ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْمَنَاسِكِ، أَمَّا بِقَاعُ الْمَنَاسِكِ كَمَوْضِعِ السَّعْيِ وَالرَّمْيِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ.

[فَصْلٌ مَنْ بَنِي بِنَاء بِمَكَّة بِآلَةِ مَجْلُوبَة مِنْ غَيْر أَرْض مَكَّة جَازَ بَيْعهَا]

(٣١٧٦) فَصْلٌ: وَمَنْ بَنَى بِنَاءً بِمَكَّةَ، بِآلَةٍ مَجْلُوبَةٍ مِنْ غَيْرِ أَرْضِ مَكَّةَ، جَازَ بَيْعُهَا، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>