الرَّأْيِ أَنْ يُوصِيَ بِشِرَاءِ خَمْرٍ أَوْ خَنَازِيرَ. وَيَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَهَذِهِ وَصَايَا بَاطِلَةٌ، وَأَفْعَالٌ مُحَرَّمَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ، فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِهَا، كَمَا لَوْ وَصَّى بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ لِلْفُجُورِ
وَإِنْ وَصَّى لِكُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا كُتُبٌ مَنْسُوخَةٌ، وَفِيهَا تَبْدِيلٌ، وَالِاشْتِغَالُ بِهَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَقَدْ غَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ شَيْئًا مَكْتُوبًا مِنْ التَّوْرَاةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لَحُصِرَ الْبَيْعُ وَقَنَادِيلُهَا، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْصِدْ إعْظَامَهَا بِذَلِكَ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ النَّفْعَ يَعُودُ إلَيْهِمْ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ صَحِيحَةٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ، وَتَعْظِيمٌ لِكَنَائِسِهِمْ. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الذِّمِّيِّ بِخِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَصَحُّ. وَإِنْ وَصَّى بِبِنَاءِ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ الْمُجْتَازُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ، صَحَّ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ مَسَاكِنِهِمْ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ.
[مَسْأَلَةٌ أَوْصَى لِأَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ لِقَرَابَتِهِ بِلَفْظِ عَامٍ يَدْخُلُ فِيهِ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ]
(٤٧٣١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى لِأَهْلِ قَرْيَةٍ، لَمْ يُعْطَ مَنْ فِيهَا مِنْ الْكُفَّارِ، إلَّا أَنْ يَذْكُرَهُمْ) يَعْنِي بِهِ الْمُسْلِمَ، إذَا أَوْصَى لِأَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ لِقَرَابَتِهِ بِلَفْظٍ عَامٍّ، يَدْخُلُ فِيهِ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ، فَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً، وَلَا شَيْءَ لِلْكُفَّارِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَدْخُلُ فِيهِ الْكُفَّارُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمْ بِعُمُومِهِ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ قَرْيَتِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ، دَخَلَ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ. وَلَنَا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١]
فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْكُفَّارُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا، وَإِذَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي وَصِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عُمُومِ اللَّفْظِ، فَكَذَلِكَ فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الْكُفَّارَ، لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنْ عَدَاوَةِ الدِّينِ، وَعَدَمِ الْوَصْلَةِ، الْمَانِعِ مِنْ الْمِيرَاثِ، وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى فَقِيرِهِمْ، وَلِذَلِكَ خَرَجُوا مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ فِي الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَزْوَاجِ، وَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ فِي الْمِيرَاثِ، فَكَذَا هَاهُنَا، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ. وَإِنْ صَرَّحَ بِهِمْ، دَخَلُوا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الْمَقَالِ لَا يُعَارَضُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ. وَإِنْ وَصَّى لَهُمْ وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ، أَوْ وَصَّى لِقَرَابَتِهِ، وَكُلُّهُمْ كُفَّارٌ، دَخَلُوا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُهُمْ
إذْ فِي إخْرَاجِهِمْ رَفْعُ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ وَاحِدٌ، وَالْبَاقِي كُفَّارٌ، دَخَلُوا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُمْ بِالتَّخْصِيصِ هَاهُنَا بَعِيدٌ، وَفِيهِ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، مُخَالَفَةُ لَفْظِ الْعُمُومِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute