الْمَرْأَةُ أَنْ تَلْتَعِنَ بَعْدَ الْتِعَانِ الرَّجُلِ، أَجْبَرْتُهَا عَلَيْهِ، وَهِبْت أَنْ أَحْكُمَ عَلَيْهَا بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِلِسَانِهَا لَمْ أَرْجُمْهَا إذَا رَجَعَتْ، فَكَيْفَ إذَا أَبَتِ اللِّعَانَ، وَلَا يَسْقُطُ النَّسَبُ إلَّا بِالْتِعَانِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ حَتَّى تَلْتَعِنَ، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ وَافَقَنَا فِي أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٨] فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إذَا لَمْ تَشْهَدْ لَا يُدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يُخْلَى سَبِيلُهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْحَدُّ، فَيَجِبُ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ.
فَأَمَّا الزَّوْجِيَّةُ، فَلَا تَزُولُ، وَالْوَلَدُ لَا يَنْتَفِي مَا لَمْ يَتِمَّ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا الشَّافِعِيَّ، فَإِنَّهُ قَضَى بِالْفُرْقَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الرَّجُلِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ.
[مَسْأَلَة أَقَرَّتْ الزَّوْجَة بِالزِّنَا دُونَ الْأَرْبَعِ مَرَّات فِي اللِّعَانِ]
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّتْ دُونَ الْأَرْبَعِ مَرَّاتٍ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ، فَصَدَّقَتْهُ، وَأَقَرَّتْ بِالزِّنَا مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ، عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي الْحُدُودِ، ثُمَّ إنْ كَانَ تَصْدِيقُهَا لَهُ قَبْلَ لِعَانِهِ، فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ كَالْبَيِّنَةِ، إنَّمَا يُقَامُ مَعَ الْإِنْكَارِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ لِعَانِهِ، لَمْ تُلَاعِنْ هِيَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْلِفُ مَعَ الْإِقْرَارِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا لَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَدَّقَتْهُ قَبْلَ لِعَانِهِ، فَعَلَيْهَا الْحَدُّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ نَسَبٌ يَنْفِيهِ، فَيُلَاعِنُ وَحْدَهُ، وَيَنْتَفِي النَّسَبُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ لِعَانِهِ، فَقَدْ انْتَفَى النَّسَبُ، وَلَزِمَهَا الْحَدُّ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّسَبَ يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ لِعَانِهِ، وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَيَجِبُ الْحَدُّ، فَإِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِإِقْرَارِ مَرَّةٍ. وَهَذِهِ الْأُصُولُ قَدْ مَضَى أَكْثَرُهَا.
وَلَوْ أَقَرَّتْ أَرْبَعًا، وَجَبَ الْحَدُّ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَسَبٌ يُنْفَى. وَإِنْ رَجَعَتْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهَا، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. فَإِنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْحَدِّ مَقْبُولٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِلْحَدِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لِتَصْدِيقِهَا إيَّاهُ. وَإِنْ أَرَادَ لِعَانَهَا لِنَفْيِ نَسَبٍ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ لِعَانُهَا لِنَفْيِ النَّسَبِ فِيهَا كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَفِيفَةً صَالِحَةً فَكَذَّبَتْهُ، مَلَكَ نَفْيَ وَلَدِهَا، فَإِذَا كَانَتْ فَاجِرَةً فَصَدَّقَتْهُ، فَلَأَنْ يَمْلِكَ نَفْيَ وَلَدِهَا أَوْلَى، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ إنَّمَا يَكُونُ بِلِعَانِهِمَا مَعًا، وَقَدْ تَعَذَّرَ اللِّعَانُ مِنْهُمَا؛ وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَحْلَفُ عَلَى نَفْيِ مَا تَقْرَبُهُ، فَتَعَذَّرَ نَفْيُ الْوَلَدِ لِتَعَذُّرِ سَبَبِهِ، كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَذْفِ وَقَبْلَ اللِّعَانِ.
[فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ بِك زَنَيْت]
(٦٢٩٧) فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ. فَقَالَتْ: بِك زَنَيْت. فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَيْهِ وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute