للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ مُصْحَفًا]

(٤١٩٣) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ مُصْحَفًا، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلَ شَهْرًا، ثُمَّ يَسْتَكْتِبَهُ مُصْحَفًا. وَكَرِهَ عَلْقَمَةُ كِتَابَةَ الْمُصْحَفِ بِالْأَجْرِ. وَلَعَلَّهُ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، فَكَرِهَ الْأَجْرَ عَلَيْهِ، كَالصَّلَاةِ

وَلَنَا أَنَّهُ فِعْلٌ مُبَاحٌ يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ فِيهِ الْغَيْرُ عَنْ الْغَيْرِ فَجَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، كَكِتَابَةِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ: «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» .

[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ لِحَصَادِ زَرْعِهِ]

(٤١٩٤) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِحَصَادِ زَرْعِهِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ يُؤْجِرُ نَفْسَهُ لِحَصَادِ الزَّرْعِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدِّرَهُ بِمُدَّةٍ، وَبِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ، مِثْلِ أَنْ يُقَاطِعَهُ عَلَى حَصَادِ زَرْعٍ مُعَيَّنٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا لِسَقْيِ زَرْعِهِ، وَتَنْقِيَتِهِ، وَدِيَاسِهِ، وَنَقْلِهِ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ

وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا لِيَحْتَطِبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مُبَاحٌ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، أَشْبَهَ حَصَادَ الزَّرْعِ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا عَلَى أَنْ يَحْتَطِبَ لَهُ عَلَى حِمَارَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَنْقُلُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى حَمِيرٍ لِرَجُلٍ آخَرَ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْأُجْرَةَ. فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَجِيرِ بِقِيمَةِ مَا اسْتَضَرَّ بِاشْتِغَالِهِ عَنْ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ. فَاعْتَبَرَ الضَّرَرَ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَضِرَّ، لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ اكْتَرَاهُ لِعَمَلٍ، فَوَفَّاهُ عَلَى التَّمَامِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ، فَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي حَالِ عَمَلِهِ، فَإِنْ ضَرَّ الْمُسْتَأْجِرَ، يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا فَوَّتَ عَلَيْهِ

وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا عَمِلَهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ مَنَافِعَهُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا إلَى عَمَلِ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، كَمَا لَوْ عَمِلَ لِنَفْسِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْآخَرِ، لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ، فَمَا حَصَلَ فِي مُقَابَلَتِهَا يَكُونُ لِلَّذِي اسْتَأْجَرَهُ.

[فَصْلٌ الِاسْتِئْجَارُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا]

(٤١٩٥) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ عَدَدَ الضَّرَبَاتِ تَخْتَلِفُ، وَمَوْضِعَ الضَّرَبَاتِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَضْرِبَ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ وَمِمَّا يَلِي الْكَتِفَ، فَكَانَ مَجْهُولًا. وَلَنَا أَنَّهُ حَقٌّ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي اسْتِيفَائِهِ، لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، كَالْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ. وَقَوْلُهُ: إنَّ عَدَدَ الضَّرَبَاتِ يَخْتَلِفُ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. يَبْطُلُ بِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>