فِي الطُّهْرِ، لَمْ يَحْتَسِبْ بِبَقِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ زَمَنٌ حُرِّمَ فِيهِ الطَّلَاقُ، فَلَمْ يَحْتَسِبْ بِهِ مِنْ الْعِدَّةِ، كَزَمَنِ الْحَيْضِ. وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ حُرِّمَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ دَفْعًا لِضَرَرِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، فَلَوْ لَمْ يَحْتَسِبْ بِبَقِيَّةِ الطُّهْرِ قُرْءًا، كَانَ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ أَضَرَّ بِهَا، وَأَطْوَلَ عَلَيْهَا، وَمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ لِكَوْنِهَا لَا تَحْتَسِبُ بِبَقِيَّتِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْعِلَّةُ فِي عَدَمِ الِاحْتِسَابِ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ، فَتَصِيرَ الْعِلَّةُ مَعْلُولًا، وَإِنَّمَا تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ، لِكَوْنِهَا مُرْتَابَةً، وَلِكَوْنِهِ لَا يَأْمَنُ النَّدَمَ بِظُهُورِ حَمْلِهَا، فَأَمَّا إنْ انْقَضَتْ حُرُوفُ الطَّلَاقِ مَعَ انْقِضَاءِ الطُّهْرِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضَةِ، وَيَكُونُ مُحَرَّمًا، وَلَا تَحْتَسِبُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ عِدَّتِهَا، وَتَحْتَاجُ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ بَعْدَهَا، أَوْ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى.
وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ طُهْرِكِ. أَوْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ طُهْرِك. أَوْ انْقَضَتْ حُرُوفُ الْإِيقَاعِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الطُّهْرِ إلَّا زَمَنُ الْوُقُوعِ، فَإِنَّهَا لَا تَحْتَسِبُ بِالطُّهْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ بَعْدَهُ طُهْرٌ تَعْتَدُّ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِدَادُ بِمَا قَبْلَهُ. وَلَا بِمَا قَارَبَهُ، وَمَنْ جَعَلَ الْقُرْءَ الْحَيْضَ، اعْتَدَّ لَهَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي تَلِي الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهَا حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ، لَمْ يَقَعْ فِيهَا طَلَاقٌ، فَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ بِهَا قُرْءًا. وَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ. وَقَالَتْ: بَلْ فِي آخِرِ الطُّهْرِ. أَوْ قَالَ: انْقَضَتْ حُرُوفُ الطَّلَاقِ مَعَ انْقِضَاءِ الطُّهْرِ. وَقَالَتْ: بَلْ قَدْ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي الْحَيْضِ، وَفِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
[مَسْأَلَة اغْتَسَلَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَة فِي الْعِدَّة أُبِيحَتْ لِلْأَزْوَاجِ]
(٦٣٠٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، أُبِيحَتْ لِلْأَزْوَاجِ) حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا، أَنَّهَا فِي الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، فَيُبَاحُ لِزَوْجِهَا ارْتِجَاعُهَا، وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ نِكَاحُهَا. قَالَ أَحْمَدُ عُمَرُ وَعَلِيُّ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُونَ: قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَأَبِي مُوسَى وَعُبَادَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ شَرِيكٌ لَهُ الرَّجْعَةُ وَإِنْ فَرَّطَتْ فِي الْغُسْلِ عِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهَا فِي عِدَّتِهَا، وَلِزَوْجِهَا رَجْعَتُهَا حَتَّى يَمْضِيَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الَّتِي طَهُرَتْ فِي وَقْتِهَا. وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لِدُونِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ.
فَإِنْ انْقَطَعَ لِأَكْثَرِهِ، انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِانْقِطَاعِهِ. وَوَجْهُ اعْتِبَارِ الْغُسْلِ قَوْلُ الْأَكَابِرِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا. وَلِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ بِحُكْمِ حَدَثِ الْحَيْضِ، فَأَشْبَهَتْ الْحَائِضَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute