للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ قَبْضُ الْعَبْدِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الْعِوَضَ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ خُلْعُهُ، صَحَّ قَبْضُهُ لِلْعِوَضِ، كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِفَلْسٍ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحْمَدَ: مَا مَلَكَهُ الْعَبْدُ مِنْ خُلْعٍ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ وَالْمُخْتَلِعَةِ بِشَيْءٍ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الْعَبْدِ.

وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي الْخُلْعِ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ، فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ، وَالْعِوَضُ فِي خُلْعِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مِلْكٌ لَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ أَفَادَ مَنْعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا أَتْلَفَهُ الْعَبْدُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ، وَعَلَى أَنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَيْهَا لَرَجَعَتْ عَلَى الْعَبْدِ، وَتَعَلَّقَ حَقُّهَا بِرَقَبَتِهِ، وَهِيَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهَا بِمَا تَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَالِهِ. وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْعِوَضَ إلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، لَمْ تَبْرَأَ، فَإِنْ أَخَذَهُ الْوَلِيُّ مِنْهُ، بَرِئَتْ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ، أَوْ تَلِفَ، كَانَ لِوَلِيِّهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِهِ.

[فَصْل طَلَاقِ الْأَبِ زَوْجَةَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَخُلْعَهُ إيَّاهَا]

(٥٨٠٥) فَصْلٌ: وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي طَلَاقِ الْأَبِ زَوْجَةَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَخُلْعِهِ إيَّاهَا، وَسَأَلَهُ أَبُو الصَّقْرِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ. وَكَأَنَّهُ رَآهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَبْلُغْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَا رَوَاهُ أَبُو الصَّقْرِ، فَيُخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ عَلَى ابْنٍ لَهُ مَعْتُوهٍ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ الْمَعْتُوهَ إذَا عَبَثَ بِأَهْلِهِ، طَلَّقَ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: وَجَدْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.

وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُزَوِّجَهُ، فَصَحَّ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ، إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا، كَالْحَاكِمِ يَفْسَخُ لِلْإِعْسَارِ، وَيُزَوِّجُ الصَّغِيرَ. وَالْقَوْلُ الْآخِرُ، لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا الطَّلَاقُ بِيَدِ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ الْفَرْجُ. وَلِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ. فَلَمْ يَمْلِكْهُ، كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ، وَلِأَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهْوَةُ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْوِلَايَةِ. وَالْقَوْلُ فِي زَوْجَةِ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ، كَالْقَوْلِ فِي زَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ.

[مَسْأَلَةٌ قَالَ خَالَعَتْ الْمَرْأَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثه مِنْهَا]

(٥٨٠٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا خَالَعَتْ الْمَرْأَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا، فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ، وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ) وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُخَالَعَةَ فِي الْمَرَضِ صَحِيحَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَرِيضُ الزَّوْجَ أَوْ الزَّوْجَةَ، أَوْ هُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>