جَعَلَ الْخِيَارَ لِمَنْ قَالَ: لَا خِلَابَةَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنْ كَانَا عَالِمَيْنِ أَنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ خِيَارِ الثَّلَاثِ، ثَبَتَ، وَإِنْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو، كَانَ لَا يُزَالُ يُغْبَنَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: «إذَا أَنْتَ بَايَعْت فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيت أَمْسَكْت، وَإِنْ سَخِطْت فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا» .
وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ، مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى تَخْصِيصِهِ دَلِيلٌ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِي الْخِيَارَ مُطْلَقًا، وَلَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَهُ بِثَلَاثٍ، وَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ فِيمَا يَقْتَضِيهِ، وَالْخَبَرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ إنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مُرْسَلًا، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْمُرْسَلَ حُجَّةً، ثُمَّ لَمْ يَقُولُوا بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ، إنَّمَا قَالُوا بِهِ فِي حَقِّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا، وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ، فَكَيْفَ يَعْلَمُ أَنَّ مُقْتَضَاهُ مَا لَيْسَ بِمُقْتَضَاهُ، وَعَلَى أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ خَاصًّا لِحِبَّانَ؛ بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ كَانَ يُثْبِتُ لَهُ الرَّدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ مُقْتَضَاهُ.
[فَصْلٌ شَرَطَ الْخِيَارَ حِيلَةً عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالْقَرْضِ]
(٢٧٩٢) فَصْلٌ: إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ حِيلَةً عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالْقَرْضِ، لِيَأْخُذَ غَلَّةَ الْمَبِيعِ وَنَفْعَهُ فِي مُدَّةِ انْتِفَاعِ الْمُقْتَرِضِ بِالثَّمَنِ، ثُمَّ يَرُدُّ الْمَبِيعَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ رَدِّ الثَّمَنِ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِيَلِ. وَلَا يَحِلُّ لِآخِذِ الثَّمَنِ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ الشَّيْءَ، وَيَقُولُ: لَك الْخِيَارُ إلَى كَذَا وَكَذَا مِثْلُ الْعَقَارِ؟ قَالَ: هُوَ جَائِزٌ إذَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً؛ أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَهُ، فَيَأْخُذَ مِنْهُ الْعَقَارَ، فَيَسْتَغِلُّهُ، وَيَجْعَلُ لَهُ فِيهِ الْخِيَارَ، لِيَرْبَحَ فِيمَا أَقْرَضَهُ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ هَذَا، فَلَا بَأْسَ.
قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ أَرَادَ إرْفَاقَهُ، أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَهُ مَالًا يَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا، وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ، وَلَمْ يُرِدْ الْحِيلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا جَائِزٌ، إلَّا أَنَّهُ إذَا مَاتَ انْقَطَعَ الْخِيَارُ، لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ. وَقَوْلُ أَحْمَدَ بِالْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَبِيعِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِإِتْلَافِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى أَنَّ الْقَرْضَ جَرَّ مَنْفَعَةً.
[فَصْلٌ قَالَ بِعْتُك عَلَى أَنَّ تَنْقُدنِي الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْننَا]
(٢٧٩٣) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: بِعْتُك عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثٍ، أَوْ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا. فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، إذَا كَانَ الشَّرْطُ إلَى ثَلَاثٍ. وَحُكِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ فِي الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ عِشْرِينَ لَيْلَةً فُسِخَ الْبَيْعُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَزُفَرُ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ فَسْخَ الْبَيْعِ عَلَى غَرَرٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِقُدُومِ زَيْدٍ.