للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْخِرَقِيِّ فِي الْعَاقِلَةِ: لَا يُعْرَضُ لَهُ حَتَّى تُطَالِبَهُ زَوْجَتُهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فَلَمْ يُشْرَعْ اللِّعَانُ مَعَ جُنُونِهِ، كَالزَّوْجِ، وَلِأَنَّ لِعَانَ الزَّوْجِ وَحْدَهُ لَا يَنْتَفِي بِهِ الْوَلَدُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى نَفْيِهِ، فَشُرِعَ لَهُ طَرِيقٌ إلَى نَفْيِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ أَنَّ لَهُ لِعَانَهَا مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] .

وَلِأَنَّهُ زَوْجٌ مُكَلَّفٌ، قَاذِفٌ لِامْرَأَتِهِ، الَّتِي يُولَدُ لِمِثْلِهَا، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ عَاقِلَةً.

[فَصْلٌ حُكْم الْأَخْرَسِ وَالْخَرْسَاءَ فِي اللِّعَانِ]

(٦٢٣٦) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْأَخْرَسُ وَالْخَرْسَاءُ؛ فَإِنْ كَانَا غَيْرَ مَعْلُومَيْ الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ، فَهُمَا كَالْمَجْنُونَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا لِعَانٌ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْ الزَّوْجِ قَذْفٌ، وَلَا مِنْ الْمَرْأَةِ مُطَالَبَةٌ. وَإِنْ كَانَا مَعْلُومَيْ الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ، فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ؛ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ خَرْسَاءُ لَمْ تُلَاعَنَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْلَمُ مُطَالَبَتُهَا. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْأَخْرَسِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللِّعَانَ لَفْظٌ يَفْتَقِرُ إلَى الشَّهَادَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ الْأَخْرَسِ، كَالشَّهَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْإِشَارَةُ لَيْسَتْ صَرِيحَةً كَالنُّطْقِ، فَلَا تَخْلُو مِنْ احْتِمَالٍ وَتَرَدُّدٍ، فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِهَا، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ بِشَهَادَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ كَالنَّاطِقِ فِي قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ.

وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، فَصَحَّ قَذْفُهُ وَلِعَانُهُ، كَالنَّاطِقِ، وَيُفَارِقُ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنْ حُصُولُهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَى الْأَخْرَسِ، وَفِي اللِّعَانِ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْهُ، فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى قَبُولِهِ مِنْهُ، كَالطَّلَاقِ. وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْقَذْفِ وُجُوبُ الْحَدِّ، وَهُوَ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَمَقْصُودُ اللِّعَانِ الْأَصْلِيُّ نَفْيُ النَّسَبِ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْإِمْكَانِ، مَعَ ظُهُورِ انْتِفَائِهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْرَعَ مَا يَنْفِيهِ، وَلَا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ مَعَ الشُّبْهَةِ الْعَظِيمَةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الشَّهَادَةَ تَحْصُلُ مِنْ غَيْرِهِ. قُلْنَا: قَدْ لَا تَحْصُلُ إلَّا مِنْهُ؛ لِاخْتِصَاصِهِ بِرُؤْيَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ، أَوْ سَمَاعِهِ إيَّاهُ.

[فَصْلٌ قَذَفَ الْأَخْرَسُ أَوْ لَاعَنَ ثُمَّ تَكَلَّمَ فَأَنْكَرَ الْقَذْفَ وَاللِّعَانَ]

(٦٢٣٧) فَصْلٌ: فَإِنْ قَذَفَ الْأَخْرَسُ أَوْ لَاعَنَ ثُمَّ تَكَلَّمَ، فَأَنْكَرَ الْقَذْفَ وَاللِّعَانَ، لَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ لِلْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، فَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُهُ لَهُ، وَيُقْبَلُ إنْكَارُهُ لِلِّعَانِ فِيمَا عَلَيْهِ، فَيُطَالَبُ بِالْحَدِّ، وَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ، وَلَا تَعُودُ الزَّوْجِيَّةُ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُلَاعِنُ لِلْحَدِّ وَنَفْيِ النَّسَبِ. كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يُلَاعِنْ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُلَاعِنَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>