للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ وَصَّى السَّيِّد بِكِتَابَتِهِ لِرَجُلِ]

(٨٨٠٢) فَصْلٌ: وَإِنْ وَصَّى بِكِتَابَتِهِ لِرَجُلٍ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِمَا لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ، كَمَا تَصِحُّ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي الْحَالِ؛ مِنْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ، وَحَمْلِ جَارِيَتِهِ. وَلِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَالَ عِنْدَ حُلُولِهِ، وَلَهُ أَنْ يُبْرِئَ مِنْهُ؛ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، عَتَقَ الْمُكَاتَبُ، وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَأَرَادَ الْوَارِثُ تَعْجِيزَهُ، وَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ إنْظَارَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الْمَالِ مَا دَامَ الْعَقْدُ قَائِمًا، وَحَقُّ الْوَارِثِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، إذَا عَجَزَهُ يَرُدُّهُ فِي الرِّقِّ، وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ إبْطَالُ حَقِّ الْوَارِثِ مِنْ تَعْجِيزِهِ. وَإِنْ أَرَادَ الْوَارِثُ إنْظَارَهُ، وَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ تَعْجِيزَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي التَّعْجِيزِ وَالْفَسْخِ لِلْوَارِثِ، وَلَا حَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا بَيْعَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَسْقُطُ بِهِ. وَمَتَى عَجَزَ، عَادَ عَبْدًا لِلْوَرَثَةِ.

وَإِنْ وَصَّى لَرَجُلٍ بِمَا تَعَجَّلَهُ الْمُكَاتَبُ، صَحَّ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِصِفَةٍ، فَإِنْ عَجَّلَ شَيْئًا، فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ شَيْئًا حَتَّى حَلَّتْ نُجُومُهُ، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ.

[فَصْلٌ وَصَّى بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ]

(٨٨٠٣) فَصْلٌ: وَإِنْ وَصَّى بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَرَجُلٍ، وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ، صَحَّتْ الْوَصِيَّتَانِ؛ فَإِنْ أَدَّى إلَى صَاحِبِ الْمَالِ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، عَتَقَ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَبْطُلَ، وَيَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الرَّقَبَةِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهَا لَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ، فَإِذَا وَصَّى بِهَا كَانَ الْوَلَاءُ لِمَنْ وَصَّى لَهُ بِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَصَّى لَهُ بِالْمُكَاتَبِ مُطْلَقًا، لَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا وَصَّى بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يُسْتَفَادُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ دُونَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ. وَإِنْ عَجَزَ، فَسَخَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ كِتَابَتَهُ، وَكَانَ رَقِيقًا لَهُ، وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ. وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ قَدْ قَبَضَ مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا، فَهُوَ لَهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي فَسْخِ الْكِتَابَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ قُدِّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَرَثَةِ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَقِيَاسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّهُ لَوْ وَصَّى لَرَجُلٍ بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ دُونَ مَالِ الْكِتَابَةِ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالرَّقَبَةِ دُونَ الْمَالِ صَحِيحَةٌ، فِيمَا إذَا وَصَّى بِهَا لَرَجُلٍ وَحْدَهُ، وَأَوْصَى بِالْمَالِ لِآخَرَ.

[فَصْلٌ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً فَأَوْصَى لَرَجُلٍ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ]

(٨٨٠٤) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً، فَأَوْصَى لَرَجُلٍ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذِمَّتِهِ. وَإِنْ قَالَ: وَصَّيْت لَك بِمَا أَقْبِضُهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ. صَحَّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ يُؤَدَّى فِيهَا الْمَالُ، كَمَا يُؤَدَّى فِي الصَّحِيحَةِ. وَإِنْ وَصَّى بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ، صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ تَصِحُّ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ، فَفِي الْفَاسِدَةِ أُولَى.

[فَصْلٌ الْوَصِيَّةُ لِمُكَاتَبِهِ]

(٨٨٠٥) فَصْلٌ: وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِمُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ سَيِّدِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ زَكَاتَهُ. فَإِنْ قَالَ: ضَعُوا عَنْ مُكَاتَبِي بَعْضَ كِتَابَتِهِ، أَوْ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ وَضَعُوا مَا شَاءُوا، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، مِنْ أَوَّلِ نُجُومِهِ أَوْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>