للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ قَدَّرَ الرَّاهِن وَالْمُرْتَهِن لِلْعَدْلِ الَّذِي فِي يَده الرَّهْن ثَمَنًا]

(٣٣٢١) فَصْلٌ: وَمَتَى قَدَّرَا لَهُ ثَمَنًا لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ بِدُونِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَا، فَلَهُ بَيْعُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، أَوْ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ بَيْعُهُ وَلَوْ بِدَرَاهِمَ وَالْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْوَكَالَةِ. فَإِنْ أَطْلَقَا، فَبَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ، صَحَّ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُضْبَطُ غَالِبًا. وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ، أَوْ بَاعَ بِأَنْقَصَ مِمَّا قَرَّرَا لَهُ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَضَمِنَ النَّقْصَ كُلَّهُ. ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا.

وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ خَالَفَ فِي النَّقْدِ.

[فَصْلٌ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بِإِذْنِهِمَا وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ]

(٣٣٢٢) فَصْلٌ: وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ بِإِذْنِهِمَا، وَقَبَضَ الثَّمَنَ، فَتَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، فَهُوَ كَالْوَكِيلِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ.

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِأَجْلِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ وَكِيلُ الرَّاهِنِ فِي الْبَيْعِ، وَالثَّمَنُ مِلْكُهُ، وَهُوَ أَمِينٌ لَهُ فِي قَبْضِهِ، فَإِذَا تَلِفَ، كَانَ مِنْ ضَمَانِ مُوَكَّلِهِ، كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ. وَإِنْ ادَّعَى التَّلَفَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَلَّفْنَاهُ الْبَيِّنَةَ، شَقَّ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ النَّاسُ فِي الْأَمَانَاتِ

فَإِنْ خَالَفَاهُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَقَالَا: مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي. وَادَّعَى ذَلِكَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، الْقَوْلُ قَوْلُهُ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ. وَالْآخَرُ: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ هَذَا إبْرَاءٌ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْله فِيهِ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ غَيْرِ الثَّمَنِ. وَإِنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا، فَالْعُهْدَةُ عَلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْعَدْلِ، إذَا كَانَ قَدْ أَعْلَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ وَكِيلٌ. وَكَذَلِكَ كُلُّ وَكِيلٍ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعُهْدَةُ عَلَى الْوَكِيلِ. وَالْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْوَكَالَةِ

فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ تَلَفِ الثَّمَنِ فِي يَدِ الْعَدْلِ، رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَا شَيْء عَلَى الْعَدْلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَدْلِ، لِأَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ أَمِينٌ فِي قَبْضِهِ، يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ، فَقَدْ بَانَ لَهُ أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ كَانَ فَاسِدًا، فَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعِ، ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِ، وَإِلَّا سَقَطَ حَقُّهُ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُفْلِسًا، حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَالْمُشْتَرِي أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي ثُبُوتِ حَقِّهِمْ فِي الذِّمَّةِ، فَاسْتَوَوْا فِي قِسْمَةِ مَالِهِ بَيْنَهُمْ

فَأَمَّا إنْ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ مَا دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرْجِعُ عَلَى الْعَدْلِ، وَيَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ. وَلَنَا، أَنَّ عَيْنَ مَالِهِ صَارَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَانَ رُجُوعُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ مِنْهُ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ بِعَيْبٍ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ بِحَقِّ، وَلَا عَلَى الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَوَكِيلٌ، وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ

وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ حِينَ بَاعَهُ لَمْ يُعْلِمْ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ وَكِيلٌ، كَانَ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَيْهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>