إنَّ الْوَلَدَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاطِئِ، كَذَلِكَ اللَّبَنُ، وَلِأَنَّهُ رَضَاعٌ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ إلَى الْمُرْضِعَةِ، فَنَشْرِهَا إلَى الْوَاطِئِ، كَصُورَةِ الْإِجْمَاعِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، أَنَّ التَّحْرِيمَ بَيْنَهُمَا فَرْعٌ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، فَلَمَّا لَمْ تَثْبُتْ حُرْمَةُ الْأُبُوَّةِ، لَمْ يَثْبُتْ مَا هُوَ فَرْعٌ لَهَا. وَيُفَارِقُ تَحْرِيمَ ابْنَتِهِ مِنْ الزِّنَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ نُطْفَتِهِ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
وَيُفَارِقُ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ؛ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ ثَمَّ لَا يَقِفُ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَلِهَذَا تَحْرُمُ أُمُّ زَوْجَتِهِ وَابْنَتُهَا مِنْ غَيْرِ نَسَبٍ، وَتَحْرِيمُ الرَّضَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى النَّسَبِ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . فَأَمَّا الْمُرْضِعَةُ، فَإِنَّ الطِّفْلَ الْمُرْتَضِعَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا، وَمَنْسُوبٌ إلَيْهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ جَمِيعُ أَوْلَادِهَا، وَأَقَارِبهَا الَّذِينَ يَحْرُمُونَ عَلَى أَوْلَادِهَا، عَلَى هَذَا الْمُرْتَضِعِ، كَمَا فِي الرَّضَاعِ بِاللَّبَنِ الْمُبَاحِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَضِعُ جَارِيَةً، حَرُمَتْ عَلَى الْمُلَاعِنِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَتُهُ، فَإِنَّهَا بِنْتُ امْرَأَتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَتَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي، عِنْدَ مَنْ يَرَى تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ بَنَاتُهَا وَبَنَاتُ الْمُرْتَضِعِ مِنْ الْغِلْمَانِ لِذَلِكَ.
[فَصْلٌ وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهِ طِفْلًا]
(٦٤٢٢) فَصْلٌ: وَإِذَا وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهِ طِفْلًا، صَارَ ابْنًا لِمَنْ ثَبَتَ نَسَبُ الْمَوْلُودِ مِنْهُ، سَوَاءٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ بِالْقَافَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا. وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِمَا، صَارَ الْمُرْتَضِعُ ابْنًا لَهُمَا، فَالْمُرْتَضِعُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَبَعٌ لِلْمُنَاسِبِ، فَمَتَى لَحِقَ الْمُنَاسِبُ بِشَخْصٍ، فَالْمُرْتَضِعُ مِثْلُهُ، وَإِنْ انْتَفَى الْمُنَاسِبُ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَالْمُرْتَضِعُ مِثْلُهُ، لِأَنَّهُ بِلَبَنِهِ ارْتَضَعَ، وَحُرْمَتُهُ فَرْعٌ عَلَى حُرْمَتِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُمَا؛ لِتَعَذُّرِ الْقَافَةِ، أَوْ لِاشْتِبَاهِهِ عَلَيْهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، حَرُمَ عَلَيْهِمَا، تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنَ أَحَدِهِمَا، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَقَارِبُهُ دُونَ أَقَارِبِ الْآخَرِ، وَقَدْ اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ بِغَيْرِهَا، فَحَرُمَ الْجَمِيعُ، كَمَا لَوْ عَلِمَ أُخْتَهُ بِعَيْنِهَا، ثُمَّ اخْتَلَطَتْ بِأَجْنَبِيَّاتِ. وَإِنْ انْتَفَى عَنْهُمَا جَمِيعًا، بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِمَا، أَوْ لِأَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، أَوْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ أَحَدِهِمَا، أَوْ لِأَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءِ الْآخَرِ، انْتَفَى الْمُرْتَضِعُ عَنْهُمَا أَيْضًا؛ فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَضِعُ جَارِيَةً، حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ، وَيَحْرُمُ أَوْلَادُهَا عَلَيْهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا ابْنَةُ مَوْطُوءَتهمَا، فَهِيَ رَبِيبَةٌ لَهُمَا.
[فَصْلٌ ارْتَضَعَ اثْنَانِ مِنْ لَبَنِ بَهِيمَةٍ]
(٦٤٢٣) فَصْلٌ: وَلَا تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ بِغَيْرِ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ بِحَالٍ، فَلَوْ ارْتَضَعَ اثْنَانِ مِنْ لَبَنِ بَهِيمَةٍ، لَمْ يَصِيرَا أَخَوَيْنِ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَوْ ارْتَضَعَا مِنْ رَجُلٍ، لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute