أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ، حَتَّى يَرْضَعَ فِي الْمَهْدِ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي، لَعَلَّهَا رُخْصَةٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَالِمٍ دُونَ النَّاسِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُمَا. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] . فَجَعَلَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ حَوْلَيْنِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا بَعْدَهُمَا. وَعَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» الشَّافِعِيُّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ، إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعِنْدَ هَذَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ خَبَرِ أَبِي حُذَيْفَة عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ لَهُ دُونَ النَّاسِ، كَمَا قَالَ سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، تَحَكُّمٌ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَقَوْلَ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمْلِ حَمْلُ الْبَطْنِ. وَبِهِ اسْتَدَلَّ عَلِيٌّ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: ١٤] . فَلَوْ حُمِلَ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، لَكَانَ مُخَالِفًا لِهَذِهِ الْآيَةِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالِاعْتِبَارُ بِالْعَامَيْنِ لَا بِالْفِطَامِ، فَلَوْ فُطِمَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، ثُمَّ ارْتَضَعَ فِيهِمَا، لَحَصَلَ التَّحْرِيمُ، وَلَوْ لَمْ يُفْطَمْ حَتَّى تَجَاوَزَ الْحَوْلَيْنِ، ثُمَّ ارْتَضَعَ بَعْدَهُمَا قَبْلَ الْفِطَامِ. لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، صَاحِبُ مَالِكٍ: لَوْ ارْتَضَعَ بَعْدَ الْفِطَامِ فِي الْحَوْلَيْنِ، لَمْ تُحَرِّمْ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» .
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] . وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» . وَالْفِطَامُ مُعْتَبَرٌ بِمُدَّتِهِ لَا بِنَفْسِهِ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَوْ ارْتَضَعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِسَاعَةٍ، لَمْ يُحَرِّمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَوْ شَرَعَ فِي الْخَامِسَةِ، فَحَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ كَمَالِهَا، لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ. وَلَا يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّ مَا وُجِدَ مِنْ الرَّضْعَةِ فِي الْحَوْلَيْنِ كَافٍ فِي التَّحْرِيمِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ انْفَصَلَ مِمَّا بَعْدَهُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ حُكْمٌ بِإِيصَالِ مَا لَا أَثَرَ لَهُ بِهِ. وَاشْتَرَطَ الْخِرَقِيِّ فِي نَشْرِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ الْمُرْتَضِعِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ الَّذِي ثَابَ اللَّبَنُ بِوَطْئِهِ، أَنْ يَكُونَ لَبَنَ حَمْلٍ يَنْتَسِبُ إلَى الْوَاطِئِ، إمَّا لِكَوْنِ الْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، أَوْ بِشُبْهَةٍ، فَأَمَّا لَبَنُ الزَّانِي أَوْ النَّافِي لِلْوَلَدِ بِاللِّعَانِ، فَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بَيْنَهُمَا، فِي مَفْهُومِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيز: تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، فَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ مُبَاحُهُ وَمَحْظُورُهُ، كَالْوَطْءِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْوَاطِئَ حَصَلَ مِنْهُ لَبَنٌ وَوَلَدٌ، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute