ابْنُ عَقِيلٍ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الرِّجْلِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرِّجْلُ جُبَارٌ» .
وَإِنْ انْقَلَبَتْ فَأَتْلَفَتْ صَيْدًا، لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلّ عَلَيْهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» . وَكَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَتْ آدَمِيًّا، لَمْ يَضْمَنْهُ. وَلَوْ نَصَبَ الْمُحْرِمُ شَبَكَةً، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ، كَمَا يَضْمَنُ الْآدَمِيَّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَفَرَ الْبِئْرَ بِحَقٍّ، كَحَفْرِهِ فِي دَارِهِ، أَوْ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ مَا تَلِفَ بِهِ، كَمَا لَا يَضْمَنُ الْآدَمِيَّ. وَإِنْ نَصَبَ شَبَكَةً قَبْلَ إحْرَامِهِ، فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ، لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ تَسَبُّبٌ إلَى إتْلَافِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَادَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَتَرَكَهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَتَلِفَ بَعْدَ إحْرَامِهِ، أَوْ بَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ، فَذَبَحَهُ الْمُشْتَرِي.
[مَسْأَلَة وُجُوبِ ضَمَانِ صَيْدِ الحرم مِنْ الطَّيْرِ]
(٢٦٧٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ كَانَ طَائِرًا فَدَاهُ بِقِيمَتِهِ فِي مَوْضِعِهِ) قَوْلُهُ: " بِقِيمَتِهِ فِي مَوْضِعِهِ " يَعْنِي يَجِبُ قِيمَتُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَتْلَفَهُ فِيهِ. لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ ضَمَانِ الصَّيْدِ مِنْ الطَّيْرِ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُد، أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْ الْحَمَامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] . وَهَذَا لَا مِثْلَ لَهُ.
وَلَنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] . وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} [المائدة: ٩٤] : يَعْنِي الْفَرْخَ وَالْبَيْضَ وَمَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفِرَّ مِنْ صِغَارِ الصَّيْدِ، (وَرِمَاحُكُمْ) : يَعْنِي الْكِبَارَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي الْجَرَادِ بِجَزَاءٍ. وَدَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ جَزَاءٍ غَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي هَذَا بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَضَمَانُ غَيْرِ الْحَمَامِ مِنْ الطَّيْرِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الضَّمَانِ أَنْ يُضْمَنَ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا، بِدَلِيلِ سَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ، لَكِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْأَصْلَ بِدَلِيلٍ، فَفِيمَا عَدَاهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ بِقَضِيَّةِ الدَّلِيلِ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي مَوْضِعِ إتْلَافِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ آدَمِيٍّ فِي مَوْضِعِ قَوْمٍ فِي مَوْضِعِ الْإِتْلَافِ، كَذَا هَاهُنَا.
[فَصْل يَضْمَنُ بَيْضَ صَيْدِ الحرم بِقِيمَتِهِ]
(٢٦٧٧) فَصْلٌ: وَيُضْمَنُ بَيْضُ الصَّيْدِ بِقِيمَتِهِ، أَيَّ صَيْدٍ كَانَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ» ، مَعَ أَنَّ النَّعَامِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْبَيْضَ لَا مِثْلَ لَهُ، فَيَجِبُ قِيمَتُهُ، كَصِغَارِ الطَّيْرِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ، لِكَوْنِهِ مَذَرًا، أَوْ لِأَنَّ فَرْخَهُ مَيِّتٌ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: إلَّا بَيْضَ النَّعَامِ، فَإِنَّ لِقِشْرِهِ قِيمَةً. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَوَانٌ، وَلَا مَآلُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِنْهُ حَيَوَانٌ صَارَ كَالْأَحْجَارِ وَالْخَشَبِ، وَسَائِرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ مِنْ غَيْرِ الصَّيْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَقَبَ بَيْضَةً، فَأَخْرَجَ مَا فِيهَا، لَزِمَهُ جَزَاءُ جَمِيعِهَا، ثُمَّ لَوْ كَسَرَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ لِذَلِكَ شَيْءٌ. وَمِنْ كَسَرَ بَيْضَةً، فَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ حَيٌّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute