للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: مَنْ مَلَكَ رَقَبَةً تُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ، لَا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا لِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِرَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: ٨٩] . فَاشْتَرَطَ لِلصِّيَامِ أَنْ لَا يَجِدَهَا وَلَنَا، أَنَّهَا مُسْتَغْرِقَةٌ لِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، فَلَمْ تَمْنَعْ جَوَازَ الِانْتِقَالِ، كَالْمَسْكَنِ وَالْمَرْكُوبِ وَالطَّعَامِ الَّذِي هُوَ مُحْتَاجٌ، إلَيْهِ وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالطَّعَامِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَبِمَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِانْتِقَالَ إلَى التَّيَمُّمِ، وَلِأَنَّ وِجْدَانَ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ كَوِجْدَانِهَا، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ لِمَنْ وَجَدَ ثَمَنَهَا الِانْتِقَالُ إلَى الصِّيَامِ، وَمَعَ هَذَا، لَوْ وَجَدَ ثَمَنَهَا الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ، لَمْ يَمْنَعْهُ الِانْتِقَالَ، كَذَا هَاهُنَا.

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ، مِثْلُ مَنْ لَهُ دَارٌ كَبِيرَةٌ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ دَارِ مِثْلِهِ، وَدَابَّةٌ فَوْقَ دَابَّةِ مِثْلِهِ، وَخَادِمٌ فَوْقَ خَادِمِ مِثْلِهِ، يُمْكِنُ أَنْ يُحَصِّلَ بِهِ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَتَفْضُلَ فَضْلَةٌ يُكَفِّرُ بِهَا، فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِنْهُ الْفَاضِلُ عَنْ كِفَايَتِهِ، أَوْ يُبَاعُ الْجَمِيعُ، وَيَبْتَاعُ لَهُ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَيُكَفِّرُ بِالْبَاقِي. وَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ، أَوْ أَمْكَنَ الْبَيْعُ وَلَمْ يُمْكِنْ شِرَاءُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، تُرِكَ ذَلِكَ، وَكَانَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصِّيَامِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِيَامِ بِحَاجَتِهِ وَالتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ (٨٠٦٠) .

فَصْلٌ: وَمَنْ لَهُ عَقَارٌ يَحْتَاجُ إلَى أُجْرَتِهِ لِمُؤْنَتِهِ أَوْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، أَوْ بِضَاعَةٌ يَخْتَلُّ رِبْحُهَا الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ بِالتَّكْفِيرِ مِنْهَا، أَوْ سَائِمَةٌ يَحْتَاجُ إلَى نَمَائِهَا حَاجَةً أَصْلِيَّةً، أَوْ أَثَاثٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَأَشْبَاهُ هَذَا، فَلَهُ التَّكْفِيرُ بِالصِّيَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَغْرِقٌ لِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، فَأَشْبَهَ الْمُعْدِمَ.

[مَسْأَلَةٌ أُطْعِمَ الْمُكَفِّر بَعْضَ الْمَسَاكِينَ وَكَسَا الْبَاقِينَ حَيْثُ يَسْتَوْفِي الْعَدَدَ]

(٨٠٦١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ (وَيُجْزِئُهُ إنْ أَطْعَمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ، وَكَسَا خَمْسَةً) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا أَطْعَمَ بَعْضَ الْمَسَاكِينِ، وَكَسَا الْبَاقِينَ، بِحَيْثُ يَسْتَوْفِي الْعَدَدَ، أَجْزَأَهُ، فِي قَوْلِ إمَامِنَا، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: ٨٩] فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَعَلَ الْكَفَّارَةَ أَحَدَ هَذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ يَأْتِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا.

الثَّانِي، أَنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى هَذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ دَلِيلٌ عَلَى انْحِصَارِ التَّكْفِيرِ فِيهَا، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ خَصْلَةٌ رَابِعَةٌ، وَلِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ التَّكْفِيرِ، فَلَمْ يُجْزِئُهُ تَبْعِيضُهُ، كَالْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ لَفَّقَ الْكَفَّارَةَ مِنْ نَوْعَيْنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ وَأَطْعَمَ خَمْسَةً أَوْ كَسَاهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>