[كِتَابُ الْجِهَادِ]
رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إلَّا جِهَادٌ فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانٌ بِي، وَتَصْدِيقٌ بِرَسُولِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ أُرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» . وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(٧٤١٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، إذَا قَامَ بِهِ قَوْمٌ، سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ) مَعْنَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، الَّذِي إنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ مَنْ يَكْفِي، أَثِمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَإِنْ قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي، سَقَطَ عَنْ سَائِرِ النَّاسِ.
فَالْخِطَابُ فِي ابْتِدَائِهِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ، كَفَرْضِ الْأَعْيَانِ، ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِفِعْلِ بَعْضِ النَّاسِ لَهُ، وَفَرْضُ الْأَعْيَانِ لَا يَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَالْجِهَادُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٤١] ثُمَّ قَالَ: {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: ٣٩] .
وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: ٢١٦] . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ ". وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥] .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاعِدِينَ غَيْرُ آثِمِينَ مَعَ جِهَادِ غَيْرِهِمْ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا} [التوبة: ١٢٢] وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ السَّرَايَا، وَيُقِيمُ هُوَ وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ. فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: ١٢٢] .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَأَبُو دَاوُد. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute