للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِسِوَاكٍ رَطْبٍ وَهُوَ صَائِمٌ، مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ عُودًا ذَاوِيًا. وَلَمْ يَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالسِّوَاكِ أَوَّلَ النَّهَارِ بَأْسًا، إذَا كَانَ الْعُودُ يَابِسًا. وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ تَرْكَ السِّوَاكِ بِالْعَشِيِّ. قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ» لِتِلْكَ الرَّائِحَةِ لَا يُعْجِبُنِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَسْتَاكَ بِالْعَشِيِّ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي التَّسَوُّكِ بِالْعُودِ الرَّطْبِ، فَرُوِيَتْ عَنْهُ الْكَرَاهَةُ. وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَإِسْحَاقَ، وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُغَرِّرٌ بِصَوْمِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ أَجْزَاءٌ إلَى حَلْقِهِ، فَيُفَطِّرَهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ لَا يُكْرَهُ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعُرْوَةَ، وَمُجَاهِدٍ؛ لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ.

[فَصْلُ أَصْبَحَ الصَّائِم بَيْنَ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ]

(٢٠٣٠) فَصْلٌ: وَمَنْ أَصْبَحَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ؛ لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا؛ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُمْكِنْهُ لَفْظُهُ، فَازْدَرَدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ الرِّيقَ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ. الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا يُمْكِنُ لَفْظُهُ، فَإِنْ لَفَظَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ازْدَرَدَهُ عَامِدًا، فَسَدَ صَوْمُهُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَبْقَى بَيْنَ أَسْنَانِهِ شَيْءٌ مِمَّا يَأْكُلُهُ، فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ. وَلَنَا أَنَّهُ بَلَعَ طَعَامًا يُمْكِنُهُ لَفْظُهُ بِاخْتِيَارِهِ، ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، فَأَفْطَرَ بِهِ، كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ الْأَكْلَ، وَيُخَالِفُ مَا يَجْرِي بِهِ الرِّيقُ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنْهُ لَفْظُهُ. فَإِنْ قِيلَ: يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْصُقَ. قُلْنَا: لَا يَخْرُجُ جَمِيعُ الرِّيقِ بِبُصَاقِهِ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْ ابْتِلَاعِ رِيقِهِ كُلِّهِ لَمْ يُمْكِنْهُ.

[فَصْلُ قَطَّرَ الصَّائِم فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا]

(٢٠٣١) فَصْلٌ: فَإِنْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا، لَمْ يُفْطِرْ بِهِ، سَوَاءٌ وَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ، أَوْ لَمْ يَصِلْ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الدُّهْنَ إلَى جَوْفٍ فِي جَسَدِهِ، فَأَفْطَرَ، كَمَا لَوْ نَوَى الْجَائِفَةَ، وَلِأَنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ فَيُفَطِّرُهُ، وَمَا أَفْطَرَ بِالْخَارِجِ مِنْهُ جَازَ أَنْ يُفْطِرَ بِالدَّاخِلِ مِنْهُ، كَالْفَمِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ بَاطِنِ الذَّكَرِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْبَوْلُ رَشْحًا، فَاَلَّذِي يَتْرُكُهُ فِيهِ لَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ، فَلَا يُفَطِّرُهُ، كَاَلَّذِي يَتْرُكُهُ فِي فِيهِ وَلَمْ يَبْتَلِعْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>