وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ، سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَقَالَ: مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا.» وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَسَأَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عُمَرَ عَمَّنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَقَالَ: أَرْسِلْهُ، فَمَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ.
وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَطْعٌ. وَلِأَنَّ لَهُ فِي الْمَالِ حَقًّا، فَيَكُونُ شُبْهَةً تَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ. وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ لِوَلَدِهِ، أَوْ لِسَيِّدِهِ، أَوْ لِمَنْ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، لَمْ يُقْطَعْ لِذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْغَانِمِينَ، وَلَا أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا، فَسَرَقَ مِنْهَا قَبْلَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ، لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ حَقًّا. وَإِنْ أُخْرِجَ الْخُمُسُ، فَسَرَقَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ، قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ، لَمْ يُقْطَعْ. وَإِنْ قُسِّمَ الْخُمُسُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ، فَسَرَقَ مِنْ خُمُسِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِهِ، قُطِعَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْخُمُسِ.
[فَصْلٌ سَرَقَ مِنْ الْوَقْفِ أَوْ مِنْ غَلَّتِهِ وَكَانَ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ]
(٧٣٠٦) فَصْلٌ: وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْوَقْفِ، أَوْ مِنْ غَلَّتِهِ، وَكَانَ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مِسْكِينًا سَرَقَ مِنْ وَقْفِ الْمَسَاكِينِ، أَوْ مِنْ قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ عَلَيْهِمْ وَقْفٌ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ. وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ، قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قُلْتُمْ: لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، فَلِمَ فَرَّقْتُمْ هَاهُنَا؟ قُلْنَا: لِأَنَّ لِلْغَنِيِّ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقًّا، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ. بِخِلَافِ وَقْفِ الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَنِيِّ فِيهِ.
[فَصْلٌ الْقَطْعُ فِي الْمَجَاعَةِ]
(٧٣٠٧) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: لَا قَطْعَ فِي الْمَجَاعَةِ. يَعْنِي أَنَّ الْمُحْتَاجَ إذَا سَرَقَ مَا يَأْكُلُهُ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ. وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا قَطْعَ فِي عَامِ سَنَةٍ. وَقَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْهُ، فَقُلْت: تَقُولُ بِهِ؟ قَالَ: إي لَعَمْرِي، لَا أَقْطَعُهُ إذَا حَمَلَتْهُ الْحَاجَةُ، وَالنَّاسُ فِي شِدَّةٍ وَمَجَاعَةٍ. وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَجِدُ مَا يَشْتَرِيهِ، أَوْ لَا يَجِدُ مَا يَشْتَرِي بِهِ، فَإِنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي أَخْذِ مَا يَأْكُلُهُ، أَوْ مَا يَشْتَرِي بِهِ مَا يَأْكُلُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ غِلْمَانَ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ انْتَحَرُوا نَاقَةً لِلْمُزَنِيِّ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِقَطْعِهِمْ، ثُمَّ قَالَ لِحَاطِبٍ: إنِّي أَرَاك تُجِيعُهُمْ. فَدَرَأَ عَنْهُمْ الْقَطْعَ لَمَّا ظَنَّهُ يُجِيعُهُمْ. فَأَمَّا الْوَاجِدُ لِمَا يَأْكُلُهُ، أَوْ الْوَاجِدُ لِمَا يَشْتَرِي بِهِ وَمَا يَشْتَرِيهِ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَإِنْ كَانَ بِالثَّمَنِ الْغَالِي. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute