للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ، حِينَ حَاضَتْ: «اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» . وَلِأَنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ، فَأَشْبَهَتْ الْوُقُوفَ. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ: إذَا طَافَتْ الْمَرْأَةُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَاضَتْ، سَعَتْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ نَفَرَتْ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهُمَا قَالَتَا: إذَا طَافَتْ الْمَرْأَةُ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ حَاضَتْ، فَلْتَطُفْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَالْمُسْتَحَبُّ مَعَ ذَلِكَ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ أَنْ لَا يَسْعَى إلَّا مُتَطَهِّرًا، وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا فِي جَمِيعِ مَنَاسِكِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا الطَّهَارَةُ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالسِّتَارَةُ لِلسَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُشْتَرَطْ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ، وَهِيَ آكَدُ، فَغَيْرُهَا أَوْلَى. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي السَّعْيِ كَالطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ. وَلَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ.

[مَسْأَلَة أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَهُوَ يَطُوفُ أَوْ يَسْعِي]

(٢٤٩١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَهُوَ يَطُوفُ، أَوْ يَسْعِي، فَإِذَا صَلَّى بَنَى) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَلَبَّسَ بِالطَّوَافِ أَوْ بِالسَّعْيِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الْمَكْتُوبَةُ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الْجَمَاعَةِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ، وَسَالِمٌ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي السَّعْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَمْضِي فِي طَوَافِهِ، وَلَا يَقْطَعُهُ، إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَضُرَّ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ فَلَا يَقْطَعُهُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» . وَالطَّوَافُ صَلَاةٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِ الْخَبَرِ. إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، مَعَ تَأَكُّدِهِ، فَفِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْلَى، مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَمَنْ سَمَّيْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفًا، وَإِذَا صَلَّى بَنَى عَلَى طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ، فِي قَوْلِ مِنْ سَمَّيْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي ذَلِكَ، إلَّا الْحَسَنَ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَسْتَأْنِفُ. وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ مَشْرُوعٌ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ، فَلَمْ يَقْطَعْهُ، كَالْيَسِيرِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْجِنَازَةِ إذَا حَضَرَتْ، يُصَلِّي عَلَيْهَا، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى طَوَافِهِ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِالتَّشَاغُلِ عَنْهَا. قَالَ أَحْمَدُ: وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْحَجَرِ. يَعْنِي أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الشَّوْطَ الَّذِي قَطَعَهُ مِنْ الْحَجَرِ حِينَ يَشْرَعُ فِي الْبِنَاءِ.

[فَصْل تَرَكَ الْمُوَالَاة فِي السَّعْي]

(٢٤٩٢) فَصْلٌ: فَإِنْ تَرَكَ الْمُوَالَاةَ لِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا، وَطَالَ الْفَصْلُ، ابْتَدَأَ الطَّوَافَ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ، بَنَى. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْكِ الْمُوَالَاةِ عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا، مِثْلُ مَنْ يَتْرُكُ شَوْطًا مِنْ الطَّوَافِ، يَحْسَبُ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّهُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، فِي مَنْ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ: عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ، فَيَطُوفَ مَا بَقِيَ. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالَى بَيْنَ طَوَافِهِ، وَقَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . وَلِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>