مِنْهَا إلَى الْإِمَامَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَأْمُومًا، وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِحَالَةِ الِاسْتِخْلَافِ.
[فَصْلٌ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى جَعْلَ نَفْسِهِ مَأْمُومًا]
(١٢٠٠) فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى جَعْلَ نَفْسِهِ مَأْمُومًا، بِأَنْ يَحْضُرَ جَمَاعَةً، فَيَنْوِيَ الدُّخُولَ مَعَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، هُوَ جَائِزٌ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ، أَوْ قَدْ صَلَّى رَكْعَةً فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ نَفْسَهُ إلَى الْجَمَاعَةِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ نَفْسَهُ إلَى جَعْلِهِ مَأْمُومًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْإِمَامِ، وَفَارَقَ نَقْلَهُ إلَى الْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ.
قَالَ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، يَنْوِي الظُّهْرَ، ثُمَّ جَاءَ الْمُؤَذِّنُ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ: سَلَّمَ مِنْ هَذِهِ، وَتَصِيرُ لَهُ تَطَوُّعًا، وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْقَوْمِ، وَاحْتَسَبَ بِهِ. قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَنْوِيَ بِهَا الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي ابْتِدَاءِ الْفَرْضِ.
[فَصْلٌ أَحْرَمَ مَأْمُومًا ثُمَّ نَوَى مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ وَإِتْمَامَهَا مُنْفَرِدًا لِعُذْرٍ]
(١٢٠١) فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَ مَأْمُومًا، ثُمَّ نَوَى مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ، وَإِتْمَامَهَا مُنْفَرِدًا لِعُذْرٍ، جَازَ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ: «كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيَؤُمُّهُمْ، فَأَخَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعِشَاءِ، فَصَلَّى مَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْمِهِ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَتَأَخَّرَ رَجُلٌ فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَقِيلَ لَهُ: نَافَقْت يَا فُلَانُ. قَالَ: مَا نَافَقْت، وَلَكِنْ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُخْبِرُهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ مَرَّتَيْنِ اقْرَأْ سُورَةَ كَذَا وَسُورَةَ كَذَا، قَالَ: وَسُورَةَ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلَ بِالْإِعَادَةِ، وَلَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِعْلَهُ، وَالْأَعْذَارُ الَّتِي يَخْرُجُ لِأَجْلِهَا، مِثْلُ الْمَشَقَّةِ بِتَطْوِيلِ الْإِمَامِ، أَوْ الْمَرَضِ، أَوْ خَشْيَةِ غَلَبَةِ النُّعَاسِ، أَوْ شَيْءٍ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، أَوْ خَوْفِ فَوَاتِ مَالٍ أَوْ تَلَفِهِ، أَوْ فَوْتِ رُفْقَتِهِ، أَوْ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ الصَّفِّ لَا يَجِدُ مَنْ يَقِفُ مَعَهُ، وَأَشْبَاهُ هَذَا. وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى الْمُنْفَرِدُ كَوْنَهُ مَأْمُومًا لَصَحَّ فِي رِوَايَةٍ، فَنِيَّةُ الِانْفِرَادِ أَوْلَى، فَإِنَّ الْمَأْمُومَ قَدْ يَصِيرُ مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَهُوَ الْمَسْبُوقُ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ، وَغَيْرُهُ لَا يَصِيرُ مَأْمُومًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِحَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute