الْخُبْزُ، فَدُقَّ، وَجُعِلَ فَتِيتًا، بِيعَ بِمِثْلِهِ كَيْلًا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ كَيْلُهُ، فَرُدَّ إلَى أَصْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ. النَّوْعُ الثَّانِي، مَا فِيهِ غَيْرُهُ مِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ، كَالْهَرِيسَةِ، وَالْخَزِيرَةِ، وَالْفَالُوذَجِ، وَخُبْزِ الْأَبَازِيرِ، وَالْخُشْكِنَانْجِ، والسنبوسك، وَنَحْوِهِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَلَا بَيْعُ نَوْعٍ بِنَوْعٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ مَقْصُودٌ، كَاللَّحْمِ فِي الْهَرِيسَةِ، وَالْعَسَلِ فِي الْفَالُوذَجِ وَالْمَاءِ، وَالدُّهْنِ فِي الْخَزِيرَةِ. وَيَكْثُرُ التَّفَاوُتُ فِي ذَلِكَ، فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمَاثُلُ فِيهِ. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّمَاثُلُ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ، فَفِي النَّوْعَيْنِ أَوْلَى.
[فَصْلٌ الْحُكْمُ فِي الشَّعِيرِ وَسَائِرِ الْحُبُوبِ كَالْحُكْمِ فِي الْحِنْطَةِ]
فَصْلٌ: وَالْحُكْمُ فِي الشَّعِيرِ وَسَائِرِ الْحُبُوبِ كَالْحُكْمِ فِي الْحِنْطَةِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ وَالْمَصْنُوعِ مِنْهَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْحُبُوبِ وَالْمَصْنُوعِ مِنْهَا؛ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ اللَّحْمُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ]
(٢٨٢٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَسَائِرُ اللُّحْمَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ) أَرَادَ جَمِيعَ اللَّحْمِ، وَجَمَعَهُ - وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ - لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ. ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ اللَّحْمَ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.
وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى كَوْنَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ: الْأَنْعَامُ، وَالْوُحُوشُ، وَالطَّيْرُ، وَدَوَابُّ الْمَاءِ، أَجْنَاسٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا فِي اللَّحْمِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ الْأَنْعَامَ، وَالْوَحْشَ جِنْسًا وَاحِدًا، فَيَكُونُ عِنْدَهُ ثَلَاثَهُ أَصْنَافٍ. وَالثَّانِيَةُ، أَنَّهُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَهِيَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا فُرُوعُ أُصُولٍ هِيَ أَجْنَاسٌ، فَكَانَتْ أَجْنَاسًا، كَالْأَدِقَّةِ، وَالْأَخْبَازِ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ. وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ. وَحَمَلَ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهَا، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ لَحْمَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ تَخْتَلِفُ الْمَنْفَعَةُ بِهَا، وَالْقَصْدُ إلَى أَكْلِهَا، فَكَانَتْ أَجْنَاسًا.
وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا أَجْنَاسًا لَا يُوجِبُ حَصْرَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَجْنَاسٍ، وَلَا نَظِيرَ لِهَذَا، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ. وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ احْتِمَالِ لَفْظِهِ لَهُ، وَتَصْرِيحِهِ فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِ الْأَنْعَامِ، أَوْ الطَّائِرِ، أَوْ السَّمَكِ، حَنِثَ. فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى عُمُومِهِ فِي أَنَّ جَمِيعَ اللَّحْمِ جِنْسٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَكَ فِي الِاسْمِ الْوَاحِدِ حَالَ حُدُوثِ الرِّبَا فِيهِ، فَكَانَ جِنْسًا وَاحِدًا، كَالطَّلْعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ.
وَهَذَا الدَّلِيلُ يُنْتَقَضُ بِالتَّمْرِ الْهِنْدِيِّ وَالتَّمْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute