وَقِيمَةِ الْفَرَسِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ إنْ صَحَّ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِمَا فِيهِ، وَأَمَّا الْمُسْتَوْفَى فَإِنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُسْتَوْفِي، وَلَهُ نَمَاؤُهُ وَغُنْمُهُ، فَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَغُرْمُهُ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ، وَالْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَمْنُوعٌ.
[فَصْلٌ قَضَى الرَّاهِن الْمُرْتَهِن جَمِيعَ الْحَقِّ]
(٣٣٨٦) فَصْلٌ: وَإِذَا قَضَاهُ جَمِيعَ الْحَقِّ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ، بَقِيَ الرَّهْنُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَضَاهُ كَانَ مَضْمُونًا، وَإِذَا أَبْرَأهُ أَوْ وَهَبَهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا اسْتِحْسَانًا. وَهَذَا مُنَاقَضَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مَضْمُونٌ مِنْهُ، لَمْ يَزُلْ، وَلَمْ يُبْرِئْهُ مِنْهُ. وَعِنْدَنَا أَنَّهُ كَانَ أَمَانَةً، وَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ، فَهُوَ كَالْوَدِيعَةِ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِنَفْعِهَا، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا، لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي إمْسَاكِهِ، فَأَمَّا إنْ سَأَلَ مَالِكُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ دَفْعَهُ إلَيْهِ، لَزِمَ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ دَفْعُهُ إلَيْهِ، إذَا أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، صَارَ ضَامِنًا، كَالْمُودَعِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ طَلَبِهَا. وَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهُ لِعُذْرٍ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ طَرِيقٌ مُخِيفٌ، أَوْ بَابٌ مُغْلَقٌ لَا يُمْكِنُهُ فَتْحُهُ، أَوْ كَانَ يَخَافُ فَوْتَ جُمُعَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ، أَوْ فَوْتَ صَلَاةٍ، أَوْ بِهِ مَرَضٌ، أَوْ جُوعٌ شَدِيدٌ، وَمَا أَشْبَهَهُ، فَأَخَّرَ التَّسْلِيمَ لِذَلِكَ، فَتَلِفَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ الْمُودِعَ.
[فَصْلٌ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فَوَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا]
(٣٣٨٧) فَصْلٌ: وَإِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، فَوَجَدَهُ مُسْتَحَقًّا، لَزِمَهُ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ، وَالرَّهْنُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنْ أَمْسَكَهُ، مَعَ عِلْمِهِ بِالْغَصْبِ، حَتَّى تَلِفَ فِي يَدِهِ، اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ لِذَلِكَ، وَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ، رَجَعَ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَصْبِ حَتَّى تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا يَضْمَنُ، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالَ غَيْرِهِ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ عَلِمَ. وَالثَّانِي، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ أَمَانَةٌ مِنْ غَيْر عِلْمه، فَلَمْ يَضْمَنْهُ، كَالْوَدِيعَةِ. فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ لَا غَيْرُ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ، أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ، كَالْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ.
[مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ]
(٣٣٨٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْحَقِّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا بِمَا قَالَ بَيِّنَةٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute