لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ
وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ فِي كَسْبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ إيجَابُ الْأَرْشِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِرَقَبَتِهِ، لِتَعَذُّرِ بَيْعِهَا فَتَعَيَّنَ فِي كَسْبِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
(٤٤١٨) فَصْلٌ: وَإِنْ جُنِيَ عَلَى الْوَقْفِ جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْمَالِ، وَجَبَ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ لَمْ تَبْطُلْ، وَلَوْ بَطَلَتْ مَالِيَّتُهُ لَمْ يَبْطُلْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحُرَّ يَجِبُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُتِلَ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ، وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْعَفْوُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا وَيُشْتَرَى بِهَا مِثْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يَكُونُ وَقْفًا
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يَخْتَصُّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَمْلِكُ الْمَوْقُوفَ، لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ مِلْكُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بِبَدَلِهِ، كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَرْهُونِ، وَبَيَانُ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْبَطْنِ الثَّانِي، فَلَمْ يَجُزْ إبْطَالُهُ. وَلَا نَعْلَمُ قَدْرَ مَا يَسْتَحِقُّ هَذَا مِنْهُ فَنَعْفُوَ عَنْهُ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ رَجُلُ رَهْنًا، أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا، وَلَمْ يَصِحَّ عَفْوُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْهُ
وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا مَحْضًا مِنْ مُكَافِئٍ لَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِهِ، كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَك. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَكُونُ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ أَوْ طَرَفٌ مِنْ أَطْرَافِهِ، فَالْقِصَاصُ لَهُ، وَلَهُ اسْتِيفَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، أَوْ يُوجِبُهُ فَعُفِيَ عَنْهُ، وَجَبَ نِصْفُ قِيمَتِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ كَامِلٌ، وَإِلَّا اُشْتُرِيَ بِهَا شِقْصٌ مِنْ عَبْدٍ.
[فَصْلٌ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ]
(٤٤١٩) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَتِهَا، أَشْبَهَ الْإِجَارَةَ، وَلِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ، فَلَا يَتَضَرَّرُ بِتَمْلِيكِ غَيْرِهِ إيَّاهَا، وَوَلِيُّهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَالْمَهْرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْعِهَا، أَشْبَهَ الْأَجْرَ فِي الْإِجَارَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى نَفْعِهَا فِي الْعُمُرِ، فَيُفْضِي إلَى تَفْوِيتِ نَفْعِهَا فِي حَقِّ الْبَطْنِ الثَّانِي.
وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقٌ؛ مِنْ وُجُوبِ تَمْكِينِ الزَّوْجِ مِنْ اسْتِمْتَاعِهَا، وَمَبِيتِهَا عِنْدَهُ، فَتَفُوتُ خِدْمَتُهَا فِي اللَّيْلِ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، إلَّا أَنْ تَطْلُبَ التَّزْوِيجَ، فَيَتَعَيَّنَ تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا طَلَبَتْهُ، فَتَتَعَيَّنُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ، وَمَا فَاتَ مِنْ الْحَقِّ بِهِ، فَاتَ تَبَعًا لِإِيفَائِهَا حَقَّهَا، فَوَجَبَ ذَلِكَ، كَمَا يَجِبُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ غَيْرِ الْمَوْقُوفَةِ وَإِذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ. وَإِذَا زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ مِنْ الزَّوْجِ، فَوَلَدُهَا وَقْفٌ مَعَهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ تَثْبُتُ لَهَا حُرْمَةٌ حُكْمُهُ حُكْمُهَا، كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ
وَإِنْ أَكْرَهَهَا أَجْنَبِيُّ، فَوَطِئَهَا، أَوْ طَاوَعَتْهُ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةَ غَيْرِهِ، أَشْبَهَ الْأَمَةَ الْمُطَلَّقَةَ، وَوَلَدُهَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute