وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ عِتْقُ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَثِيقَةِ، فَإِنْ أَعْتَقَ، نَفَذَ عِتْقُهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعَسِّرًا.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ {شَرِيكٌ} ، وَالْحَسَنُ بْن صَالِحٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: يَسْتَسْعِي الْعَبْدَ فِي قِيمَتِهِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعَسِّرًا. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمُعَسِّرِ. ذَكَرَهَا الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِي لِأَنَّ عِتْقَهُ يُسْقِطُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ الْوَثِيقَةِ، مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ وَبَدَلِهَا، فَلَمْ يَنْفُذْ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُرْتَهِنِ، وَلِأَنَّهُ عِتْقٌ يُبْطِلُ حَقَّ غَيْرِ الْمَالِكِ، فَنَفَذَ مِنْ الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعَسِّرِ، كَعِتْقِ شِرْكٍ لَهُ مِنْ عَبْدٍ
وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْبَتِّيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الرَّاهِنِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعَسِّرًا. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ لِلشَّافِعِي لِأَنَّهُ مَعْنَى يُبْطِلُ حَدُّ الْوَثِيقَةِ مِنْ الرَّهْنِ، فَلَمْ يَنْفُذْ كَالْبَيْعِ. وَلَنَا، أَنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْ مَالِكٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ تَامِّ الْمِلْكِ، فَنَفَذَ، كَعِتْقِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَيْنٌ مَحْبُوسَةٌ لِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، فَنَفَذَ فِيهَا عِتْقُ الْمَالِكِ، كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَالْعِتْقُ يُخَالِفُ الْبَيْعَ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، وَيَنْفُذُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَيَجُوزُ عِتْقُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالْآبِقِ، وَالْمَجْهُولِ، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشُّرُوطِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا أُخِذَتْ مِنْ قِيمَتُهُ، فَجُعِلَتْ مَكَانه رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّ الْوَثِيقَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ أَبْطَلَهَا أَجْنَبِيٌّ، أَوْ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، وَتَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا؛ لِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْ الْعَيْنِ، وَبَدَلٌ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا فَالْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ أُيْسِرَ قَبْلَ حُلُولِ الْحَقِّ، أُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا، إلَّا أَنْ يَخْتَارَ تَعْجِيلَ الْحَقِّ، فَيَقْضِيَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى رَهْنٍ، وَإِنْ أُيْسِرَ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ، طُولِبَ بِالدَّيْنِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ بِهِ مِنْ الْحَقَّيْنِ مَعًا، وَالِاعْتِبَارُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ حَالَ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهُ حَالُ الْإِتْلَافِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُعَسِّرِ: يَسْتَسْعِي الْعَبْدَ فِي قِيمَتِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ. وَفِيهِ إيجَابُ الْكَسْبِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا صُنْعَ لَهُ، وَلَا جِنَايَةَ مِنْهُ، وَإِلْزَامُ الْغُرْمِ لِمَنْ وُجِدَ مِنْهُ الْإِتْلَافُ أَوْلَى، كَحَالِ الْيَسَارِ، وَكَسَائِرِ الْإِتْلَافِ.
[فَصْلٌ أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ]
(٣٣٣٤) فَصْلٌ: وَإِنْ أَعْتَقَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي نُفُوذِ عِتْقِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ أَذِنَ، فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْوَثِيقَةِ مُوسِرًا كَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ مُعَسِّرًا، لِأَنَّهُ أَذِنَ فِيمَا يُنَافِي حَقَّهُ، فَإِذَا وُجِدَ، زَالَ حَقُّهُ، وَقَدْ رَضِيَ بِهِ لِرِضَاهُ بِمَا يُنَافِيه، وَإِذْنِهِ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَدَلٌ. فَإِنْ رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَعَلِمَ الرَّاهِنُ بِرُجُوعِهِ، كَانَ كَمَنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَإِنْ عَلِمَ الرَّاهِنُ بِرُجُوعِهِ، فَأَعْتَقَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى عَزْلِ الْوَكِيلِ بِدُونِ عِلْمِهِ. وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْعِتْقِ، لَمْ يَنْفَعْ رُجُوعُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينه؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ.
وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَوَرَثَةُ الْمُرْتَهِنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمُرْتَهِنُ أَيْضًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute