للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلِ: اغْرِسْ فِي أَرْضِي هَذِهِ شَجَرًا أَوْ نَخْلًا، فَمَا كَانَ مِنْ غَلَّةٍ فَلَكَ بِعَمَلِ كَذَا وَكَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا وَكَذَا. فَأَجَازَهُ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ خَيْبَرَ فِي الزَّرْعِ وَالنَّخِيلِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْغَرْسُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُزَارَعَةِ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ الْبَذْرَ فِي الْمُزَارَعَةِ مِنْ الْعَامِلِ

وَقَالَ الْقَاضِي: الْمُعَامَلَةُ بَاطِلَةٌ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَكْلِيفِهِ قَلْعَهَا، وَيَضْمَنُ لَهُ أَرْشَ نَقْصِهَا، وَبَيْنَ إقْرَارِهَا فِي أَرْضِهِ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِ قِيمَتَهَا، كَالْمُشْتَرِي إذَا غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي اشْتَرَاهَا، ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ فَأَخَذَهَا. وَإِنْ اخْتَارَ الْعَامِلُ قَلْعَ شَجَرِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ بَذَلَ لَهُ الْقِيمَةَ أَوْ لَمْ يَبْذُلْهَا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَمْ يُمْنَعْ تَحْوِيلَهُ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إبْقَاءِ الْغِرَاسِ، وَدَفْعِ أَجْرِ الْأَرْضِ، جَازَ. وَلَوْ دَفَعَ أَرْضَهُ إلَى رَجُلٍ يَغْرِسُهَا، عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَجُزْ، عَلَى مَا سَبَقَ

وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ، بِنَاءً عَلَى الْمُزَارَعَةِ، فَإِنَّ الْمُزَارِعَ يَبْذُرُ فِي الْأَرْضِ، فَيَكُونُ الزَّرْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَهَذَا نَظِيرُهُ. وَإِنْ دَفَعَهَا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ بَيْنَهُمَا، فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْأَصْلِ، فَفَسَدَ، كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الشَّجَرَ وَالنَّخِيلَ لِيَكُونَ الْأَصْلُ وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا، أَوْ شَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ كَوْنَ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ بَيْنَهُمَا.

[فَصْلٌ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ فَبَانَ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ الْعَمَلِ]

(٤١٣٧) فَصْلٌ: وَإِذَا سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ، فَبَانَ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ الْعَمَلِ، أَخَذَهُ رَبُّهُ وَثَمَرَتَهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، وَلَا حَقَّ لِلْعَامِلِ فِي ثَمَرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا، وَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ، وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَاسْتَعْمَلَهُ، فَلَزِمَهُ الْأَجْرُ، كَمَا لَوْ غَصَبَ نُقْرَةً فَاسْتَأْجَرَ مَنْ ضَرَبَهَا دَرَاهِمَ. وَإِنْ شَمَّسَ الثَّمَرَةَ فَلَمْ تَنْقُصْ، أَخَذَهَا رَبُّهَا، وَإِنْ نَقَصَتْ، فَلِرَبِّهَا أَرْشُ نَقْصِهَا، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَيَسْتَقِرُّ ذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ

وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ أَنْ اقْتَسَمَاهَا، وَأَكَلَاهَا، فَلِرَبِّهَا تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ، فَلَهُ تَضْمِينُهُ الْكُلَّ، وَلَهُ تَضْمِينُهُ قَدْرَ نَصِيبِهِ، وَيُضَمِّنُ الْعَامِلَ قَدْرَ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ سَبَبُ يَدِ الْعَامِلِ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُ الْجَمِيعِ. فَإِنْ ضَمَّنَهُ الْكُلَّ، رَجَعَ عَلَى الْعَامِلِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ وُجِدَ فِي يَدِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى الْغَاصِبِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَرْجِعَ الْغَاصِبُ عَلَى الْعَامِلِ بِشَيْءِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَطْعَمَ إنْسَانًا شَيْئًا، وَقَالَ لَهُ: كُلْهُ، فَإِنَّهُ طَعَامِي

ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ. وَإِنْ ضَمَّنَ الْعَامِلَ، احْتَمَلَ أَنَّهُ لَا يُضَمِّنُهُ إلَّا نَصِيبَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>