[فَصْل تَأْجِير الرَّجُلُ نَفْسَهُ لِكَسْحِ الْكَنَفِ]
(٤٣١٧) فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤْجِرَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ لِكَسْحِ الْكَنَفِ، وَيُكْرَهُ لَهُ أَكْلُ أَجْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» . وَنَهَى الْحُرَّ عَنْ أَكْلِهِ، فَهَذَا أَوْلَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا حَجَّ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي رَجُلٌ أَكْنُسُ، فَمَا تَرَى فِي مَكْسَبِي؟ قَالَ: أَيَّ شَيْءٍ تَكْنُسُ؟ قَالَ: الْعَذِرَةَ، قَالَ: وَمِنْهُ حَجَجْت، وَمِنْهُ تَزَوَّجْت؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ خَبِيثٌ، وَحَجُّك خَبِيثٌ، وَمَا تَزَوَّجْت خَبِيثٌ. أَوْ نَحْوَ هَذَا، ذَكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، فِي " سُنَنِهِ " بِمَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ دَنَاءَةً، فَكُرِهَ، كَالْحِجَامَةِ، فَأَمَّا الْإِجَارَةُ فِي الْجُمْلَةِ، فَجَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا، فَلَا تَنْدَفِعُ بِدُونِ إبَاحَةِ الْإِجَارَةِ، فَوَجَبَ إبَاحَتُهَا، كَالْحِجَامَةِ.
[فَصْلٌ إجَارَةُ دَارِهِ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً]
(٤٣١٨) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ إجَارَةُ دَارِهِ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً، أَوْ بِيعَةً أَوْ يَتَّخِذُهَا لِبَيْعِ الْخَمْرِ، أَوْ الْقِمَارِ. وَبِهِ قَالَ الْجَمَاعَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ بَيْتُك فِي السَّوَادِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تُؤْجِرَهُ لِذَلِكَ. وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، فَلَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ، كَإِجَارَةِ عَبْدِهِ لِلْفُجُورِ. وَلَوْ اكْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ دَارِهِ، فَأَرَادَ بَيْعَ الْخَمْرِ فِيهَا، فَلِصَاحِبِ الدَّارِ مَنْعُهُ. وَبِذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْي: إنْ كَانَ بَيْتُهُ فِي السَّوَادِ وَالْجَبَلِ، فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ. وَلَنَا أَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، جَازَ الْمَنْعُ مِنْهُ فِي الْمِصْرِ، فَجَازَ فِي السَّوَادِ، كَقَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ.
[فَصْلٌ مَا يَحْرُمُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ]
(٤٣١٩) فَصْلٌ: الْقِسْمُ الثَّالِثُ، مَا يَحْرُمُ بَيْعُهُ، إلَّا الْحُرَّ وَالْوَقْفَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجَارَتُهَا، وَإِنْ حَرُمَ بَيْعُهَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، كَالْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالْجَمَلِ النَّادِّ، وَالْبَهِيمَةِ الشَّارِدَةِ، وَالْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ غَاصِبِهِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنْ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا تُجْهَلُ صِفَتُهُ، فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا نَفْعَ فِيهِ، كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ، أَوْ الطَّيْرِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ
وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْكَلْبِ، وَلَا الْخِنْزِيرِ، بِحَالٍ. وَيَتَخَرَّجُ جَوَازُ إجَارَةِ الْكَلْبِ الَّذِي يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا تَجُوزُ لَهُ إعَارَتُهُ، فَجَازَتْ إجَارَتُهُ لَهُ كَغَيْرِهِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ.
وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَنْفَعَتِهِ، سَوَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute