للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُمَا عَيْنَ مَالِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ، أَوْ كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ أَعْيَانَ أَمْوَالٍ أَفْلَسَ بِأَثْمَانِهَا، وَوَجَدَهَا أَصْحَابُهَا، فَلَهُمْ أَخْذُهَا، بِالشَّرَائِطِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .

وَلِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ، فَكَانَ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ الْمُفْلِسِ، وَلِأَنَّ الْإِعْسَارَ بِالثَّمَنِ سَبَبٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْفَسْخَ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ تَعَلُّقُ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي، كَمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَالْعَيْبِ وَالْخِيَارِ. وَلِأَنَّ مَنْعَهُمْ مِنْ أَخْذِ أَعْيَانِ أَمْوَالِهِمْ يَفْتَحُ بَابَ الْحِيَلِ، بِأَنْ يَجِيءَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، فَيَشْتَرِيَ فِي ذِمَّتِهِ ثِيَابًا يَلْبَسُهَا، وَدَارًا يَسْكُنُهَا، وَخَادِمًا يَخْدِمُهُ، وَفَرَسًا يَرْكَبُهَا، وَطَعَامًا لَهُ وَلِعَائِلَتِهِ وَيَمْتَنِعُ عَلَى أَرْبَابِهَا أَخْذُهَا؛ لِتَعَلُّقِ حَاجَتِهِ بِهَا، فَتَضِيعُ أَمْوَالُهُمْ وَيَسْتَغْنِي هُوَ بِهَا.

فَعَلَى هَذَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ. وَلَا يُتْرَكُ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْيَانُ أَمْوَالِ النَّاسِ، فَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ، أَوْ أَخَذَهَا مِنْهُمْ غَصْبًا.

[فَصْلٌ كَانَ الْمُفْلِس ذَا صَنْعَةٍ]

(٣٤٥٧) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ الْمُفْلِسُ ذَا صَنْعَةٍ، يَكْسِبُ مَا يُمَوِّنُهُ وَيُمَوَّنُ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَكْسِبَ ذَلِكَ بِأَنْ يُؤْجِرَ نَفْسَهُ، أَوْ يَتَوَكَّلَ لَإِنْسَانٍ، أَوْ يَكْتَسِبَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مَا يَكْفِيه، لَمْ يُتْرَكْ لَهُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ. وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، تُرِكَ لَهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرُ مَا يَكْفِيه.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: وَيُتْرَكُ لَهُ قُوتٌ يَتَقَوَّتُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ تُرِكَ لَهُ قِوَامٌ.

وَقَالَ، فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِي: يُتْرَكُ لَهُ قَدْرُ مَا يَقُومُ بِهِ مَعَاشُهُ، وَيُبَاعُ الْبَاقِي. وَهَذَا فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَذَوِي الْهَيْئَاتِ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُهُمْ التَّصَرُّفُ بِأَبْدَانِهِمْ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ بَعْضِهِمْ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْعَيْنِ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ غَيْرِهِ.

[فَصْلٌ تلف شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ تَحْتَ يَدِ الْأَمِينِ]

(٣٤٥٨) فَصْلٌ: وَإِذَا تَلِفَ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ تَحْتَ يَدِ الْأَمِينِ، أَوْ بِيعَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ وَأُودِعَ ثَمَنُهُ فَتَلِفَ عِنْدَ الْمُودَعِ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُفْلِسِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ الْعُرُوض مِنْ مَالِهِ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ مِنْ مَالِ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: الدَّنَانِيرُ مِنْ مَالِ أَصْحَابِ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمُ مِنْ مَالِ أَصْحَابِ الدَّرَاهِمِ. وَلَنَا، أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ، وَنَمَاؤُهُ لَهُ، فَكَانَ تَلَفُهُ فِي مَالِهِ، كَالْعُرُوضِ.

[فَصْلٌ إذَا اجْتَمَعَ مَال الْمُفْلِسِ]

(٣٤٥٩) فَصْلٌ: وَإِذَا اجْتَمَعَ مَالُ الْمُفْلِسِ قُسِمَ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، فَإِنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ، أَخَذُوهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ دَيْنُهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَثْمَانِ كَالْقَرْضِ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ، فَرَضِيَ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضَ حَقِّهِ مِنْ الْأَثْمَانِ، جَازَ، وَإِنْ امْتَنَعَ. وَطَلَبَ جِنْسَ حَقِّهِ، اُبْتِيعَ لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ. وَلَوْ أَرَادَ الْغَرِيمُ الْأَخْذَ مِنْ الْمَالِ الْمَجْمُوعِ، وَقَالَ الْمُفْلِسُ: لَا أُوَفِّيك إلَّا مِنْ جِنْسِ دَيْنِك. قُدِّمَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ.

وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مِنْ سَلَمٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا مِنْ جِنْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>