للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ يَثْبُتْ زِنَاهَا، وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَهَا، وَالْفَسْخُ وَاقِعٌ. وَلَكِنَّ أَحْمَدَ اسْتَحَبَّ لِلرَّجُلِ مُفَارَقَةَ امْرَأَتِهِ إذَا زَنَتْ، وَقَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُمْسِكَ مِثْلَ هَذِهِ.

وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تُفْسِدَ فِرَاشَهُ، وَتُلْحِقَ بِهِ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَعَلَّ مَنْ كَرِهَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ إنَّمَا كَرِهَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّحْرِيمِ، فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِ أَحْمَدَ هَذَا. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ. وَذَلِكَ لِمَا رَوَى رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ يَوْمَ حُنَيْنٍ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» . يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى.

وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَأْتِي بِوَلَدٍ مِنْ الزِّنَى فَيُنْسَبُ إلَيْهِ. وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَكْفِي اسْتِبْرَاؤُهَا بِالْحَيْضَةِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّهَا تَكْفِي فِي اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ، وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، أَوْ بِإِعْتَاقِ سَيِّدِهَا، فَيَكْفِي هَاهُنَا، وَالْمَنْصُوصُ هَاهُنَا مُجَرَّدُ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَدْ حَصَلَ بِحَيْضَةٍ فَيُكْتَفَى بِهَا.

[فَصْلٌ عَلِمَ الرَّجُلُ مِنْ جَارِيَتِهِ الْفُجُورَ]

(٥٤١٢) فَصْلٌ: وَإِذَا عَلِمَ الرَّجُلُ مِنْ جَارِيَتِهِ الْفُجُورَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَطَؤُهَا؛ لَعَلَّهَا تُلْحِقُ بِهِ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَكْرَهُ أَنْ أَطَأَ أَمَتِي وَقَدْ بَغَتْ. وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ جَنِينٌ لِغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُرَخِّصُ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْفَاجِرَةِ.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَلَعَلَّ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ كَرِهَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، أَوْ إذَا لَمْ يُحَصِّنْهَا وَيَمْنَعْهَا مِنْ الْفُجُورِ، وَمَنْ أَبَاحَهُ بَعْدَهُمَا، فَيَكُونُ الْقَوْلَانِ مُتَّفِقَيْنِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ خَطَبَ امْرَأَةً فَلَمْ تَسْكُنْ إلَيْهِ]

(٥٤١٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ خَطَبَ امْرَأَةً، فَلَمْ تَسْكُنْ إلَيْهِ، فَلِغَيْرِهِ خِطْبَتُهَا) الْخِطْبَةُ، بِالْكَسْرِ: خِطْبَةُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ لِيَنْكِحهَا. وَالْخُطْبَةُ، بِالضَّمِّ: هِيَ حَمْدُ اللَّهِ، وَالتَّشَهُّدُ؛ وَلَا يَخْلُو حَالُ الْمَخْطُوبَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَسْكُنَ إلَى الْخَاطِبِ لَهَا، فَتُجِيبَهُ، أَوْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّهَا فِي إجَابَتِهِ أَوْ تَزْوِيجِهِ، فَهَذِهِ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ خَاطِبِهَا خِطْبَتُهَا؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إفْسَادًا عَلَى الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ، وَإِيقَاعَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>