للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ أَكَلَتْ الْهِرَّةُ نَجَاسَةً ثُمَّ شَرِبَتْ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ]

(٥١) فَصْلٌ: إذَا أَكَلَتْ الْهِرَّةُ نَجَاسَةً ثُمَّ شَرِبَتْ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ بَعْدَ أَنْ غَابَتْ، فَالْمَاءُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَى عَنْهَا النَّجَاسَةَ، وَتَوَضَّأَ بِفَضْلِهَا، مَعَ عِلْمِهِ بِأَكْلِهَا النَّجَاسَاتِ. وَإِنْ شَرِبَتْ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ، فَقَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: يَنْجُسُ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَصَابَهُ بَوْلٌ.

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ تَغِبْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَفَى عَنْهَا مُطْلَقًا، وَعَلَّلَ بِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا؛ وَلِأَنَّنَا حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ سُؤْرِهَا مَعَ الْغَيْبَةِ فِي مَكَان لَا يُحْتَمَلُ وُرُودُهَا عَلَى مَاءٍ كَثِيرٍ يُطَهِّرُ فَاهَا، وَلَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ فَهُوَ شَكٌّ لَا يُزِيلُ يَقِينَ النَّجَاسَةِ، فَوَجَبَ إحَالَةُ الطَّهَارَةِ عَلَى الْعَفْوِ عَنْهَا، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ الْغَيْبَةِ.

[فَصْلٌ وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ أَوْ الْهِرَّةُ وَنَحْوُهُمَا فِي مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ يَسِيرٍ ثُمَّ خَرَجَتْ حَيَّةً]

(٥٢) فَصْلٌ: وَإِنْ وَقَعْت الْفَأْرَةُ أَوْ الْهِرَّةُ وَنَحْوُهُمَا، فِي مَائِعٍ، أَوْ مَاءٍ يَسِيرٍ، ثُمَّ خَرَجَتْ حَيَّةٌ، فَهُوَ طَاهِرٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ الذَّائِبِ، فَلَمْ تَمُتْ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: إذَا كَانَ حَيًّا فَلَا شَيْءَ، إنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْمَيِّتِ.

وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْجُسَ إذَا أَصَابَ الْمَاءُ مَخْرَجَهَا؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ، فَيَنْجُسُ بِهِ الْمَاءُ. وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَإِصَابَةُ الْمَاءِ لِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَإِنَّ الْمَخْرَجَ يَنْضَمُّ إذَا وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِي الْمَاءِ، فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ.

[فَصْلٌ حُكْمُ جِلْدِ الْحَيَوَانِ وَشَعْرِهِ وَعَرَقِهِ وَدَمْعِهِ وَسُؤْرِهِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ]

فَصْلٌ: كُلُّ حَيَوَانٍ حُكْمُ جِلْدِهِ وَشَعْرِهِ وَعَرَقِهِ وَدَمْعِهِ وَلُعَابِهِ حُكْمُ سُؤْرِهِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ السُّؤْرَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ النَّجَاسَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَنْجُسُ لِمُلَاقَاتِهِ لُعَابَ الْحَيَوَانِ وَجِسْمَهُ، فَلَوْ كَانَ طَاهِرًا كَانَ سُؤْرُهُ طَاهِرًا، وَإِذَا كَانَ نَجِسًا كَانَ سُؤْرُهُ نَجِسًا.

[مَسْأَلَةٌ إنَاءٌ حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مِنْ وُلُوغِ كَلْبٍ أَوْ بَوْلٍ]

(٥٤) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَكُلُّ إنَاءٍ حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ؛ مِنْ وُلُوغِ كَلْبٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) النَّجَاسَةُ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا؛ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمُتَوَلِّدِ مِنْهُمَا، فَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا سَبْعًا، إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا ثَمَانِيًا، إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ، وَيُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ عَدَّ التُّرَابَ ثَامِنَةً؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَعَ إحْدَى الْغَسَلَاتِ فَهُوَ جِنْسٌ آخَرُ، فَيُجْمَعُ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>