للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَبَرَيْنِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ الْعَدَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَإِنَّمَا يُغْسَلُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ نَقَاؤُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ: «يُغْسَلُ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا» فَلَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا؛ وَلِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا الْعَدَدُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُد: «أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ، الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَحَدِيثُهُمْ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ رَوَى غَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ: (فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا.

وَعَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الشَّكَّ مِنْ الرَّاوِي، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَوَقَّفَ فِيهِ، وَيُعْمَلَ بِغَيْرِهِ. وَأَمَّا الْأَرْضُ فَإِنَّهُ سُومِحَ فِي غَسْلِهَا لِلْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا.

(٥٥) فَصْلٌ: فَإِنْ جَعَلَ مَكَانَ التُّرَابِ غَيْرَهُ؛ مِنْ الْأُشْنَانِ، وَالصَّابُونِ، وَالنُّخَالَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ غَسَلَهُ غَسْلَةً ثَامِنَةً، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ أُمِرَ فِيهَا بِالتُّرَابِ، فَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، كَالتَّيَمُّمِ؛ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ تَعَبُّدٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ، فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِيهِ.

وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَبْلَغُ مِنْ التُّرَابِ فِي الْإِزَالَةِ، فَنَصُّهُ عَلَى التُّرَابِ تَنْبِيهٌ عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّهُ جَامِدٌ أُمِرَ بِهِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَا يُمَاثِلُهُ كَالْحَجَرِ فِي الِاسْتِجْمَارِ.

فَأَمَّا الْغَسْلَةُ الثَّامِنَةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَقُومُ مَقَامَ التُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَصْدُ بِهِ تَقْوِيَةُ الْمَاءِ فِي الْإِزَالَةِ فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالثَّامِنَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا أَبْلَغُ فِي الْإِزَالَةِ، وَإِنْ وَجَبَ تَعَبُّدًا امْتَنَعَ إبْدَالُهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِ التُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِهِ، أَوْ إفْسَادِ الْمَحَلِّ الْمَغْسُولِ بِهِ، فَأَمَّا مَعَ وُجُودِهِ وَعَدَمِ الضَّرَرِ فَلَا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: نَجَاسَةُ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، فَفِيهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَجِبُ الْعَدَدُ فِيهَا قِيَاسًا عَلَى نَجَاسَةِ الْوُلُوغِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ،، أَنَّهُ قَالَ: «أُمِرْنَا بِغَسْلِ الْأَنْجَاسِ سَبْعًا.» فَيَنْصَرِفُ إلَى أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجِبُ الْعَدَدُ، بَلْ يُجْزِئُ فِيهَا الْمُكَاثَرَةُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ، بِحَيْثُ تَزُولُ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَتْ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَالْغَسْلُ مِنْ الْبَوْلِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ حَتَّى جُعِلَتْ الصَّلَاةُ خَمْسًا، وَالْغَسْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>