(٥٧٧٥) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى عَطِيَّتِهَا إيَّاهُ، فَمَتَى أَعْطَتْهُ عَلَى صِفَةٍ يُمْكِنُهُ الْقَبْضُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ، سَوَاءٌ قَبَضَهُ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ وُجِدَتْ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: أَعْطَتْهُ فَلَمْ يَأْخُذْ. وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلٍ مِنْ جِهَتِهَا، وَاَلَّذِي مِنْ جِهَتِهَا فِي الْعَطِيَّةِ الْبَذْلُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ قَبْضُهُ، فَإِنْ هَرَبَ الزَّوْجُ أَوْ غَابَ قَبْلَ عَطِيَّتِهَا، أَوْ قَالَتْ: يَضْمَنُهُ لَك زَيْدٌ، أَوْ اجْعَلْهُ قِصَاصًا مِمَّا لِي عَلَيْك. أَوْ أَعْطَتْهُ بِهِ رَهْنًا، أَوْ أَحَالَتْهُ بِهِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ مَا وُجِدَتْ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ شَرْطِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَوْضِعٍ تَعَذَّرَتْ الْعَطِيَّةُ فِيهِ، لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعَذُّرُ مِنْ جِهَتِهِ، أَوْ مِنْ جِهَتِهَا، أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِمَا؛ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ.
وَلَوْ قَالَتْ: طَلَّقَنِي بِأَلْفٍ. فَطَلَّقَهَا، اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ. وَبَانَتْ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَوْ قَالَتْ: لَا أُعْطِيك شَيْئًا. يَأْخُذُهَا بِالْأَلْفِ. يَعْنِي وَيَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ عَلَى شَرْطٍ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
[فَصْل تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى شَرْطِ الْعَطِيَّةِ أَوْ الضَّمَانِ أَوْ التَّمْلِيكِ]
(٥٧٧٦) فَصْلٌ: وَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى شَرْطِ الْعَطِيَّةِ، أَوْ الضَّمَانِ، أَوْ التَّمْلِيكِ، لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ لُزُومًا لَا سَبِيلَ إلَى دَفْعِهِ؛ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهَا حُكْمُ التَّعْلِيقِ الْمَحْضِ؛ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ عَلَى الشُّرُوطِ. وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ قَالَ: مَتَى أَعْطَيْتِنِي، أَوْ مَتَى مَا أَعْطَيْتِنِي، أَوْ أَيَّ حِينٍ أَوْ أَيَّ زَمَانٍ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَذَلِكَ عَلَى التَّرَاخِي. وَإِنْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي، أَوْ إذَا أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ. فَإِنْ أَعْطَتْهُ جَوَابًا لِكَلَامِهِ، وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْعَطَاءُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْمُعَاوَضَاتِ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ، وَجَبَ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُعَاوَضَاتِ، بِخِلَافِ مَتَى وَأَيٍّ، فَإِنَّ فِيهِمَا تَصْرِيحًا بِالتَّرَاخِي، وَنَصًّا فِيهِ. وَإِنْ صَارَا مُعَاوَضَةً، فَإِنَّ تَعْلِيقَهُ بِالصِّفَةِ جَائِزٌ، أَمَّا إنْ وَإِذَا، فَإِنَّهُمَا يَحْتَمِلَانِ الْفَوْرَ وَالتَّرَاخِيَ، فَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِمَا الْعِوَضُ، حُمِلَا عَلَى الْفَوْرِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطِ الْإِعْطَاءِ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي، كَسَائِرِ التَّعْلِيقِ. أَوْ نَقُولُ: عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَرْفِ مُقْتَضَاهُ التَّرَاخِي، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِيَ، كَمَا لَوْ خَلَا عَنْ الْعِوَضِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَاهُ التَّرَاخِي، أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّرَاخِيَ إذَا خَلَا عَنْ الْعِوَضِ، وَمُقْتَضَيَاتُ الْأَلْفَاظِ لَا تَخْتَلِفُ بِالْعِوَضِ وَعَدَمِهِ، وَهَذِهِ الْمُعَاوَضَةُ مَعْدُولٌ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَعْلِيقهَا عَلَى الشُّرُوطِ، وَيَكُونُ عَلَى التَّرَاخِي فِيمَا إذَا عَلَّقَهَا بِمَتَى أَوْ بِأَيِّ، فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute