للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَذْهَبِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ اللَّهِ كُلِّهَا، وَتَكَرُّرَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ، لَا يُوجِبُ أَكْثَرَ مِنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ، فَالْحَلِفُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْلَى أَنْ تُجْزِئَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، مَا رَوَى مُجَاهِدٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ بِسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ صَبْرٍ، فَمَنْ شَاءَ بَرَّ، وَمَنْ شَاءَ فَجَرَ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: عَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.

وَلَمْ نَعْرِفْ مُخَالِفًا لَهُ فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إجْمَاعًا. قَالَ أَحْمَدُ: وَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ، فِي كُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ، عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَرَدُّهُ إلَى وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْعَجْزِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا غَيْرُ وَاجِبٍ.

وَكَلَامُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا يُحْمَلُ عَلَى الِاخْتِيَارِ، وَالِاحْتِيَاطِ لِكَلَامِ اللَّهِ، وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ، كَمَا أَنَّ عَائِشَةَ أَعْتَقَتْ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً حِينَ حَلَفَتْ بِالْعَهْدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، وَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ كَفَّارَةٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] . وَهَذِهِ يَمِينٌ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْأَيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ تُوجِبْ كَفَّارَاتٍ، كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَلِأَنَّ إيجَابَ كَفَّارَاتٍ بِعَدَدِ الْآيَاتِ يُفْضِي إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ بِحِنْثِهِ تَلْزَمُهُ هَذِهِ الْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا، تَرَكَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ كَائِنًا مَا كَانَ، وَقَدْ يَكُونُ بِرًّا وَتَقْوَى وَإِصْلَاحًا، فَتَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: ٢٢٤] . وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ كَفَّارَاتٍ بِعَدَدِ الْآيَاتِ، فَلَمْ يُطِقْ، أَجْزَأَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِنَحْرِ وَلَدِهِ]

(٧٩٨٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فِيمَنْ حَلَفَ بِنَحْرِ وَلَدِهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَالْأُخْرَى يَذْبَحُ كَبْشًا) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيمَنْ حَلَفَ بِنَحْرِ وَلَدِهِ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: إنَّ فَعَلْت كَذَا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ وَلَدِي. أَوْ يَقُولَ: وَلَدِي نَحِيرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا. أَوْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ مُطْلَقًا، غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ. فَعَنْ أَحْمَدَ، عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَهَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، أَوْ نَذْرُ لَجَاجٍ، وَكِلَاهُمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَةٍ نَذَرَتْ أَنْ تَذْبَحَ ابْنَهَا: لَا تَنْحَرِي ابْنَك، وَكَفِّرِي عَنْ يَمِينِك. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، كَفَّارَتُهُ ذَبْحُ كَبْشٍ، وَيُطْعِمُهُ لِلْمَسَاكِينِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نَذْرَ ذَبْحِ الْوَلَدِ جُعِلَ فِي الشَّرْعِ كَنَذْرِ ذَبْحِ شَاةٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى أَمَرَ إبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، وَكَانَ أَمْرًا بِذَبْحِ شَاةٍ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ، وَدَلِيلُ أَنَّهُ أُمِرَ بِذَبْحِ شَاةٍ، أَنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>