للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ سَلَمًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ نَسِيئَةً. وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْلِفَ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ نَسِيئَةً. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ وَفِيهِ خَطَرٌ بِهِ. وَلَهُ أَنْ يَقْتَرِضَ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالْمَالِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَى غَيْرِهِ، فَيُغَرِّرُ بِهِ. وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ قِرَاضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

[فَصْلٌ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَشِرَاؤُهُ]

(٨٧٤٠) فَصْلٌ: وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ. بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِأَدَاءِ عِوَضِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْأَدَاءُ إلَّا بِالِاكْتِسَابِ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ مِنْ أَقْوَى جِهَاتِ الِاكْتِسَابِ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ، أَنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ. وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَيُعْطِيَ، فِيمَا فِيهِ الصَّلَاحُ لِمَالِهِ، وَالتَّوْفِيرُ عَلَيْهِ. وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ؛ فِي مَأْكَلِهِ، وَمَشْرَبِهِ، وَكُسْوَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ مِمَّا لَا غَنَاءَ لَهُ عَنْهُ، وَعَلَى رَقِيقِهِ، وَالْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ. وَلَهُ تَأْدِيبُ عَبِيدِهِ، وَتَعْزِيرُهُمْ، إذَا فَعَلُوا مَا يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ مِلْكِهِ، فَمَلَكَهُ، كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ. وَلَا يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ وِلَايَةٍ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا. وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ، وَالْأَخْذُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ شِرَاءٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لِلشِّقْصِ سَيِّدَهُ، فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ.

وَإِنْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ شِقْصًا لِسَيِّدِهِ فِيهِ شَرِكَةٌ، فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ سَيِّدِهِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَالْأَجْنَبِيِّ.

وَإِنْ وَجَبَتْ لِلسَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ شُفْعَةٌ، فَادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنَّ سَيِّدَهُ عَفَا عَنْهَا، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ. وَإِنْ أَنْكَرَهُ السَّيِّدُ، كَانَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ.

وَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ فِي الْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ، صَحَّ مِنْهُ وَكَانَ لِسَيِّدِهِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِالْمُحَابَاةِ - مَعَ إذْنِ سَيِّدِهِ فِيهِ - صَحِيحٌ.

يَصِحُّ إقْرَارُ الْمُكَاتَبِ بِالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالْعَيْبِ، وَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِذَلِكَ، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا، فَلَهُ الْإِقْرَارُ بِهِ.

[مَسْأَلَةٌ السَّيِّدُ مَعَ مُكَاتَبِهِ فِي بَابِ الْمُعَامَلَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ]

(٨٧٤١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَبِيعُهُ سَيِّدُهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرِّبَا يَجْرِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ، كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا رِبًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ فِي الْأَظْهَرِ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَا رِبًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ، وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يُعَجِّلَ لِسَيِّدِهِ، وَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ، وَلَهُ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ إذَا شَرَطَ، وَلَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ صَارَتْ لَهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ.

وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ السَّيِّدَ مَعَ مُكَاتَبِهِ فِي بَابِ الْمُعَامَلَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشُّفْعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>