وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ، فَنَاوَلَهُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ؟ قَالَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ قِيلَ: فَإِنْ سَأَلَ قَبْلَ خُطْبَةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَأَعْطَانِي رَجُلٌ صَدَقَةً أُنَاوِلُهَا إيَّاهُ؟ قَالَ نَعَمْ، هَذَا لَمْ يَسْأَلْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ.
[فَصْلٌ الِاحْتِبَاءُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ]
(١٣٣٤) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِبَاءِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ، وَسَالِمٌ، وَنَافِعٌ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَهُ إلَّا عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ، لِأَنَّ سَهْلَ بْنَ مُعَاذٍ رَوَى، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْحَبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلَنَا، مَا رَوَى يَعْلَى بْنُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَجَمَّعَ بِنَا، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا جُلُّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَيْتُهُمْ مُحْتَبِينَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا، فَصَارَ إجْمَاعًا وَالْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لِأَجْلِ الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، وَلِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَهَيِّئًا لِلنَّوْمِ وَالْوُقُوعِ وَانْتِقَاضِ الْوُضُوءِ، فَيَكُونُ تَرْكُهُ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُحْمَلُ النَّهْيُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَيُحْمَلُ أَحْوَالُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ الْخَبَرُ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا عُقَلَاءُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ]
(١٣٣٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا عُقَلَاءُ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِسَبْعَةِ شَرَائِطَ: إحْدَاهَا، أَنْ تَكُونَ فِي قَرْيَةٍ. وَالثَّانِي، أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعِينَ. وَالثَّالِثُ، الذُّكُورِيَّةُ. وَالرَّابِعُ، الْبُلُوغُ. وَالْخَامِسُ، الْعَقْلُ. وَالسَّادِسُ، الْإِسْلَامُ. وَالسَّابِعُ، الِاسْتِيطَانُ.
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَمَّا الْقَرْيَةُ فَيُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِبِنَائِهَا بِهِ، مِنْ حَجَرٍ أَوْ طِينٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا أَهْلُ الْخِيَامِ وَبُيُوتِ الشَّعْرِ وَالْحَرَكَاتِ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنْصَبُ لِلِاسْتِيطَانِ غَالِبًا، وَكَذَلِكَ كَانَتْ قَبَائِلُ الْعَرَبِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمْ يُقِيمُوا جُمُعَةً، وَلَا أَمَرَهُمْ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَخْفَ، وَلَمْ يُتْرَكْ نَقْلُهُ، مَعَ كَثْرَتِهِ وَعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ، لَكِنْ إنْ كَانُوا مُقِيمِينَ بِمَوْضِعٍ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ، لَزِمَهُمْ السَّعْيُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute