للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهَا، كَأَهْلِ الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ إلَى جَانِبِ الْمِصْرِ

ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَرْيَةِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مُجْتَمِعَةَ الْبِنَاءِ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي الْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةَ الْمَنَازِلِ تَفَرُّقًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ، إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْهَا مَا يَسْكُنُهُ أَرْبَعُونَ، فَتَجِبُ الْجُمُعَةُ بِهِمْ، وَيَتْبَعُهُمْ الْبَاقُونَ

وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الْبُنْيَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ شَرْطٌ، وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ الْمُتَقَارِبَةَ الْبُنْيَانِ قَرْيَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْقُرَى، فَأَشْبَهَتْ الْمُتَّصِلَةَ، وَمَتَى كَانَتْ الْقَرْيَةُ لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِهَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ مِنْ مِصْرٍ، أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ، لَزِمَهُمْ السَّعْيُ إلَيْهَا، لِعُمُومِ الْآيَةِ.

(١٣٣٦) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالذُّكُورِيَّةُ، فَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِهَا لِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَانْعِقَادِهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ شَرْطَانِ لِلتَّكْلِيفِ وَصِحَّةِ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ، وَالذُّكُورِيَّةُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَانْعِقَادِهَا، لِأَنَّ الْجُمُعَةَ يَجْتَمِعُ لَهَا الرِّجَالُ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْحُضُورِ فِي مَجَامِعِ الرِّجَالِ، وَلَكِنَّهَا تَصِحُّ مِنْهَا لِصِحَّةِ الْجَمَاعَةِ مِنْهَا، فَإِنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُصَلِّينَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَمَاعَةِ. وَأَمَّا الْبُلُوغُ، فَهُوَ شَرْطٌ أَيْضًا لِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ

وَانْعِقَادِهَا، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ التَّكْلِيفِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ» ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، بِنَاءً عَلَى تَكْلِيفِهِ، وَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ. (١٣٣٧) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْأَرْبَعُونَ، فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَصِحَّتِهَا.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِخَمْسِينَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الرَّقَاشِيِّ، حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى خَمْسِينَ رَجُلًا، وَلَا تَجِبُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ» وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: «قُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: عَلَى كَمْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ مِنْ رَجُلٍ؟ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسِينَ جَمَّعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>